عطاء غزة: مشروع ترميم المنازل المتضررة جزئياً من الحرب الأخيرة على قطاع غزة

حين يتفشى الفقر في بيوت الغزيين كالورم الخبيث، وحين تصل نسبة الأيتام في غزة وحدها إلى ما يقارب 22 ألف يتيم، و تجتمع فيها من مجمل الإناث 16.3% أرملة لا حول لهن ولا قوة، حين تجتمع كل الظروف لتكسر صبر غزة، وعندما تجتمع العائلة آخر النهار على لقيمات توقف كركرة أمعاءهم التي تزدهر مع برد الشتاء القارص القاسي.

حينها لا يمكن لأي عاقل الوقوف مكتوف الأيدي، أو أن يتفرج على هؤلاء دونما حراك، ففي عمق الداخل تجد شيئا ما يوجعك عندما تسمع هذه القصص التي تثقل العقل والروح بالألم، أو عندما تشارك في القصص أصحابها فتصبح جزءا من حياتهم، والأصعب أن تصبح هالة النور التي يتعلق بها من اسودت بهم دروب الدنيا الوعرة، عندها لا مجال للسكون، فتجد نفسك تعمل بكل ما أوتيت لتمنح أجسامهم بعض الدفء ونفوسهم شيئا من الهدوء.

عطاء غزة كانت ولا زالت هالة النور تلك عند الكثيرين، ما وضع مزيدا من المسئولية على عاتقنا، فبعد أن عملنا على عدة مراحل ضمن برنامج الإغاثة السريعة كتوزيع طرود غذائية و كسوة شتوية والحقيبة والزي المدرسي وغيرها، بالإضافة إلى كفالات الأيتام المستمرة منذ تأسيس الجمعية عام 2003، إلا أن المعاناة الكبيرة التي يعانيها أهلنا في غزة نتيجة للحصار المفروض عليهم والحرب العدوانية المتواصلة على القطاع كانت تفوق المتوقع فكان لزاماً علينا، العمل بكل ما أوتينا من قوة من أجل التخفيف عن المكلومين في قطاع غزة، فكان مشروعنا (مشروع ترميم المنازل المتضررة جزئياً من الحرب الأخيرة على قطاع غزة) وهو مشروع جديد يهدف إلى تخفيف المعاناة التي تعيشها تلك العائلات المستورة بعد أن انتهك الاحتلال الإسرائيلي حرمات بيوتها فخربها و حرقها بلا رحمة، فكان واجبا علينا أن نبدأ في الترميم، فبدأنا البحث عن تلك الأيادي البيضاء التي تمتد للخير دوما، فعرضنا الفكرة على عدد من فاعلي الخير الذين تحمسوا للفكرة ولبوا النداء فعملنا على مشروع ترميم المنازل المتضررة جزئيا من الحرب والذي شمل 30 بيتا في غزة المحاصرة.

وحانت الساعة، ففي ذكرى الحرب الاسرائيلية على غزة في سبتمبر 2011 بدأ العمل الجدي على المشروع، فتم التعاقد مع إحدى شركات المقاولات المشهود لها بالخبرة والشفافية ومنذ اللحظة الأولى كانت المتابعة الدورية للبيوت المدرجة ضمن المشروع وأصحابها، فكنا معهم منذ البداية، لنشهد الفرحة على وجوههم و نعرف أننا ساهمنا ولو بالقليل لإسعادهم.
تقارير دورية يتم تسليمها طوال فترة المشروع، هندسية ومحاسبية وفنية وأخرى إدارية، فريق متعاون متكامل يعمل دون كلل أو ملل لإنجاح المشروع ولإخراجه على أحسن وأفضل صورة.
وفي فبراير 2012 جاءت الفرحة وقت التسليم، فخرجت لجنة التسليم النهائي مكونة من أعضاء مجلس إدارة جمعية عطاء غزة، إلى جانب الكادر الذي عمل على المشروع ليقطفوا ثمرة العمل الدؤوب المنظم والذي ساهم في انجاز المشروع على أفضل وجه وفي أسرع وقت.

من بيت إلى بيت ومن حي إلى آخر تتنقل لجنة التسليم، وبوجوه تعلوها البسمة وتغمرها الفرحة كان الرجال والسيدات والأطفال في الانتظار، ورغم البرد وسوء الطقس يترقب الجميع فريق عطاء غزة ليعبروا عن الفرحة التي دخلت إلى بيوتهم مع الدفء الذي عاشوه بعد تنفيذ المشروع.

البيوت التي تم ترميمها في كل محافظات القطاع بلا استثناء أصبحت هالة نور تضيء ولو بالقليل جانبا من حياة هؤلاء المظلومين الذين علقوا الكثير من الآمال علينا وعلى فاعلي الخير.

أ.س أحد المستفيدين في منطقة السموني شرق غزة مزارع يعمل في جد واجتهاد ليحصل قوت يومه يعيش في امن وسلام مع اسرته المكونة من 5 اطفال وزوجته، تم تدمير منزله اثناء الحرب الغاشمة على غزة، استشهدت زوجته وأصيب هو وأطفاله بجروح مختلفة، كما استشهد 10 من اعمامه وأبناء عمه وأصيب العشرات منهم في مذبحة حي السموني التي شهدها العالم، وقد كانت الاستجابة السريعة لجمعية عطاء غزة لمواساة عائلة السموني منذ الحرب فكانت المبادرة بتقديم المساعدات الاغاثية العاجلة، والدعم النفسي للأطفال ومن ثم واستكمالا لدور الجمعية تم التوجه الى منطقة السموني، للمساعدة في ترميم عدد من المنازل التي تضررت اثناء الحرب فكان من ضمن هذه المنازل منزل عائلة أ.س وقف ووجهه تعلوه البسمة، تلك التي فارقته منذ مأساة الحرب وينظر الى اولاده نظرة حانية ويطمئنهم بأنه لا خوف عليهم مادام في الدنيا من يقدمون ويعملون من اجلهم ويسعون الى زرع السعادة والطمأنينة في نفوسهم، فلقد أصبح أخيرا لهم سقف يحميهم من برد الشتاء ومن حر الصيف، وشبابيك تمنع عنهم الرياح وأبواب تغلق عليهم تشعرهم بالأمان، وهنا خرجت تلك الكلمات العفوية، "الحمد لله لوجود عطاء غزة والحمد لله لوجود مثل هذه المشاريع والحمد لله لوجود مثل تلك القلوب الرحيمة التي تتبرع لمثل هذه المشروعات".

أما م.د أحد المستفيدين في عزبة عبد ربة في منطقة الشمال، بابتسامته الهادئة يقول:" كنت احمل هم أطفالي كل شتاء منذ الحرب، كيف أدفئهم، وامنع عنهم البرد والمطر، وأنا ليس بيدي حيلة" وشكر الفريق على ما قدمه المشروع من إصلاحات في بيته ساهمت في تخفيف العبء عنه وعن أسرته.

أما الحاجة س.ن من سكان منطقة خزاعة زوجة شهيد وأم لأيتام هدم بيتها أكثر من مرة فاضطرت في النهاية إلى أن تسكن تحت الأرض حتى لا تضطر إلى العيش فوقها في بيت كأنما تعيش في العراء، وضمن المشروع وبحدود الإمكانيات المتوفرة تم تصليح بعض الجدران المهدمة وتركيب سقف للمنزل إضافة إلى شبابيك وأبواب تقيها البرد، وعندما ذهبنا لزيارتها في يوم التسليم النهائي استقبلتنا بكل حفاوة وأخذت تدعو لكل من ساهم في المشروع وفي عينها دمعة تحجبها بيديها اللتين رفعتهما إلى السماء.

رئيس جمعية عطاء غزة السيدة رجاء أبو غزالة شعث عبرت عن سعادتها بما قدم هذا المشروع لهذه الأسر، وقالت إن سعادتها تكتمل بسعادة تلك الأسر المستورة التي تؤمن بأن العفاف زينة الفقر وهي تعتمد كل الاعتماد على فاعلي الخير الذين لا يمكن أن تخلو منهم الأمة الإسلامية كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم " الخير في وفي أمتي إلى يوم القيامة ".
ولما كانت السيدة رجاء أبو غزالة مهتمة دوما بمثل هذه المشاريع فهي تعمل جاهدة الآن على تطوير هذا المشروع خاصة بأنه ليس مشروعا استهلاكيا وإنما مشروع عمراني يساهم في خدمة الأسر المستورة على المدى البعيد، ويحسن الوضع العمراني لقطاع غزة، وقالت أبو غزالة بهذا الخصوص أنها تشكر كل من ساهم في إنجاح هذا المشروع، ودعت كل من يسعى لخدمة الفقراء أن يسارع في تقديم ولو أقل القليل لهم، وأن يتخذوا خطوة ايجابية في هذا الدرب لتكون هذه أخلاقنا التي تصنع وطنا حرا، كريما، وتبني أمة تجتمع على الخير فيعم الخير وطننا العربي والإسلامي دائما.

وأكدت بدورها أن عطاء غزة، ستعمل دوما على أن تكون سندا للفقراء والمحتاجين، وإنها لن تتوانى عن العمل في مثل هذه المشاريع التي تخدم الأسر المستورة التي خلقت عطاء غزة من اجلها.

كما تقدمت بخالص الشكر لفاعل الخير الذي مول المشروع والذي عرف معنى الرحمة والتعاضد، وعرف أن دعاء الأرامل والفقراء له، ينفعه عند رب الخلق، ويفتح له من جنس عمله أبوابا من الخير والرضا.

Governorate

href="http://statcounter.com/" target="_blank"> class="statcounter"
src="//c.statcounter.com/7777687/0/e4135b25/1/" alt="web
analytics">