وفي هذا السياق، يؤكد منجد أبو جيش، من جمعية الإغاثة الزراعية، أن "هناك تراجعا كبيرا في الدعم الذي تقدمه المؤسسات الداعمة، وأصبحت هذه المؤسسات تقدم خدماتها أيضا للشعب السوري والعراقي الذي أصبح يعاني من ويلات الظلم والتششت".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21" أن قلة المشاريع التي تقدمها الجمعية انخفضت بسبب تراجع التمويل، منوها إلى أن جمعية الإغاثة الزراعية تعتمد في مشاريعها بشكل كامل على المؤسسات التي تمول المنظمات غير الحكومية.
وعبر أبو جيش عن اعتقاده بأنه من المحتمل أن تغلق كثير من الجمعيات أبوابها، في حال لم تجد البدائل للتمويل.
إلا أن مصدرا مطلعا، فضل عدم الكشف عن اسمه، قال لـ"عربي21"، إن معظم الجمعيات والمؤسسات الفلسطينية المدعومة أوروبيا لم تشهد تراجعا بالدعم بل العكس تحسن وضعها كثيرا، إلا أن الملاحظ تراجع الدعم الأمريكي.
وبرر ذلك بموقف الإدارة الأمريكية من ذهاب السلطة الوطنية الفلسطينية إلى الأمم المتحدة خلافا لرغبة الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما اعتبره شكلا من أشكال العقاب، مشيرا إلى أن معظم الدعم للجمعيات والمؤسسات غير الحكومية يأتي من أوروبا، وخاصة من السويد.
ومن خلال اطلاع "عربي21" على هذه المؤسسات وأهدافها، يتضح أن جزءا كبيرا منها يهتم بقضايا المرأة، إلى جانب مؤسسات أخرى تهتم بالإعلام والشباب وحقوق الإنسان، فيما تتركز معظم هذه المؤسسات والجمعيات في مدينة رام الله التي تعتبر العاصمة الإدارية للسلطة الفلسطينية.
وبحسب المصدر ذاته، فإن غالبية الدعم الأوروبي يركز على مشاريع غير مستدامة، كالندوات وورش العمل واللقاءات، ولا يتم دعم المشاريع الإنتاجية، بمعنى أن الجمعيات المدعومة من أوروبا لا تملك مصادر دخل ذاتية، ولا تستطيع دفع رواتب شهر واحد إذا توقف الدعم، وبالتالي تظل تحت رحمة الداعمين، كما أن هذا الدعم يمكن أن يشكل ضغطا على الفلسطينيين خاصة أن هنالك آلاف الموظفين رواتبهم من هذه المؤسسات الممولة أوروبيا.
ويختلف الأمر قليلا في شمال الضفة الغربية، فالكثير من الجمعيات هناك لها مصادر تمويل ذاتية مكنتها من البناء والتطوير، وبدعم معظمه من دول خليجية.
وإضافة إلى الدعم الأمريكي والأوروبي والعربي، هنالك مؤسسات قائمة على الدعم المحلي وتعتمد على التبرعات والزكاة وبعض المؤسسات، لكن عددها قليل مقارنة بالدعم الخارجي.
وكان الخبير الاقتصادي بكر اشتية؛ قد قال في مقال له بداية العام الحالي، إنه وفقا للتقديرات الأخيرة، فقد بلغ عدد المنظمات غير الحكومية في المناطق الفلسطينية 3600 منظمة، 65 في المئة منها تخلق أكثر من 40 ألف فرصة عمل مدفوعة الأجر.
أما من حيث التمويل، فقد حصلت تلك المنظمات خلال الأشهر التسعة الأولى من العام 2015 على تمويل أجنبي مقداره 800 مليون دولار، وفقا لتقديرات حكومية رسمية، أي أن العام 2015 شهد تدفقات نقدية على الأراضي الفلسطينية (خارج حسابات الموازنة العامة) تعادل حوالي ربع موازنة السلطة الفلسطينية، علما بأن تقديرات هيئة شؤون المنظمات الأهلية الفلسطينية تشير إلى نحو 1.6 مليار دولار هو مجموع ما يصل تلك المنظمات سنويا.
بدوره، قال الخبير الاقتصادي الفلسطيني نائل موسى، إن الأزمة الاقتصادية الفلسطينية مشكلة مزمنة، والسبب هو الاعتماد على الإيرادات الخارجية التي تقدمها مؤسسات دولية، في ظل عدم مقدرة السلطة الفلسطينية على الإيفاء بالتزاماتها من الإيرادات المحلية.
وأضاف موسى في حديثه لـ"عربي21"، أن سبب تراجع مؤسسات أجنبية في تقديم الدعم للشعب الفلسطيني هو "الربيع العربي، حيث أصبح الوضع المعيشي في سوريا أكثر سوءا من فلسطين، ولذلك أصبحت الأولوية في التعامل مع اللاجئين والمواطنين السوريين سواء في سوريا أو خارجها، وكذلك الأمر بالنسبة لليمن، كما أن أهداف المؤسسات الداعمة أصبحت لا تنسجم مع حاجات ورغبات الشعب الفلسطيني".
ويرى أن "مشاريع المنظمات غير الحكومية لم تكن مرحلة ناجحة؛ لأنها كانت تسعى لتحقيق أهداف موجهة وليس لتحقيق حاجات ورغبات الشعب الفلسطيني"، وفق تقديره.
وبحسب تصور الكاتب الفلسطيني عماد صلاح الدين، فإنه "لا توجد أزمة مالية في عملية التمويل، لكن يبدو أنه ظهر للأوروبيين والأمريكان أن أعمال هذه المؤسسات وبالتراكم أصبحت تشكل حالة من الإيجابية لصالح قضايا معينة، وبالتحديد لصالح القضية الفلسطينية، خصوصا ما يتعلق بارتفاع منسوب التأييد الشعبي العالمي لدى تلك الدول (للقضية الفلسطينية) وحتى في أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية".
وبرأيه، فإن هذا "لا يتوافق مع السياسات الرسمية لتلك الدول الغربية في خدمة المشروع الصهيوني، باعتباره احد الأدوات النفعية والمهمة جدا في خدمة المشاريع الأمريكية والغربية في المنطقة وفلسطين"، بحسب تعبيره.
ويرى صلاح الدين، خلال حديثه لـ"عربي21"، أن هذه المؤسسات قامت بدور إيجابي في ظل الأوضاع المتوترة التي يشهدها العالم العربي، وخاصة في فضح انتهاكات حقوق الإنسان، وكشف جرائم الاحتلال الإسرائيلي.
ويتوقع صلاح الدين أن يكون هنالك توجه لبديل يتمثل بـ"إنشاء مؤسسات ومراكز دراسات مدعومة للتنظير حول الإرهاب الديني والعمل على عصرنة المواطنين وتخليصهم من التطرف والإرهاب، باعتبار أن الإنسان العربي مشكلته مع الإرهاب والتطرف الديني، وليس مع الديمقراطية، بل إن الديمقراطية وحقوق الإنسان ليس من أولوياتهما في المرحلة الراهنة والى إشعار آخر"، كما يقول.
المصدر: عربي21
Major Sector