موقف مؤسسة الحق قانوني حول الآليات القانونية لمساءلة قادة الاحتلال الإسرائيلي عن جرائم الحرب

Submitted by [email protected] on Mon, 01/19/2009 - 12:51

المحامي والباحث القانوني ناصر الريس
مؤسسة "الحق"

شرعت قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ 27/12/2008 في تنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق على قطاع غزة أسمتها "الرصاص المسبوك"، والتي ابتدأت بقصف جوي واسع النطاق استهدف أغلب مقار الشرطة الفلسطينية ومقار حركة المقاومة الإسلامية حماس ومقار الوزارات والمؤسسات المدنية، والأحياء السكنية ودور العبادة والمدارس والجامعات والطواقم الطبية. وهو ما أسفر عن سقوط أكثر من ألف قتيل وجرح وإصابة أكثر من أربعة آلاف فلسطيني بجراح وحروق مختلفة، علماً بأن أغلب ضحايا اليوم الأول كانوا من قوى الشرطة المدنية وغيرها، الذين استهدفهم القصف الجوي خلال حفل تخريج في أكاديمية الرئيس عرفات.

وفي مساء يوم السبت الموافق 3/1/2009 أعلنت سلطات الاحتلال عن الشروع في بدء تنفيذ هجومها البري على قطاع غزة من عدة محاور، والذي تم التمهيد له بقصف بري وجوي وبحري مكثف للمحاور التي اختيرت لتقدم القوات البرية، علماً بأن الفترة الزمنية المحددة للهجوم البري كما هو واضح من تصريحات رئيس دولة إسرائيل ورئيس الوزراء الإسرائيلي ووزير الدفاع غير محددة بل من الممكن لها أن تطول وأن يشارك فيها عشرات الآلاف من أفراد قوات الاحتلال الإسرائيلي ما يعني استمرار سفك الدم الفلسطيني.

ولعل من أهم الجرائم المرتكبة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال تنفيذ مختلف مراحل هذا العدوان ما يلي:

• تعمد قتل المئات من المدنيين جراء القصف العشوائي للأحياء السكنية، فضلاً عن الاستهداف المباشر للأشخاص.
• اسقاط وتغييب مبدأ التمييز بين الأشخاص المدنيين والعسكريين والممتلكات المدنية والعسكرية حال تنفيذ قوات الاحتلال لقصفها الجوي والبري والبحري على القطاع.
• بث الذعر في نفوس المدنيين، سواء بالتهديد المباشر أو من خلال الإعلان الصريح عن عدم وجود مناطق آمنة.
• الإعلان عن عدم الإبقاء على الحياة، جراء الإعلان الصريح عن استهداف وقتل كل الأفراد المنتمين لحركة المقاومة الإسلامية حماس من عسكريين وسياسيين.
• استخدام الأسلحة والقذائف والموارد التي من شأنها إحداث إصابات وآلام لا مبرر لها، جراء استخدام القذائف الفسفورية الحارقة والخانقة.
• الاستهداف المباشر لأفراد الخدمات الطبية ووسائل النقل الطبي والمشافي.
• تهديد سكان الأراضي المحتلة والضغط عليهم للإدلاء بمعلومات عن القوات المسلحة للمقاومة، وعن وسائل الدفاع التي تستخدمها.
• منع دخول المواد الغذائية والامدادات الطبية للمناطق الفلسطينية لقطاع غزة.
• رفض السماح للطواقم الطبية من الوصول لمناطق الجرحى والمرضى والمصابين.
• استهداف المدارس والمؤسسات التعليمية والجامعات والمساجد.
• منع إخلاء الجرحى والمصابين.
• استهداف المقابر.
• قصف وتدمير مئات المنازل انتقاماً من السكان المدنيين.
• القصف العشوائي للممتلكات المدنية والمحمية.
• النقل والترحيل الجبري لمئات الأسر الفلسطينية من مناطق سكنهم الى غيرها من مناطق القطاع بحجة حماية أمنهم.
• تدمير وتخريب البيئة الفلسطينية، جراء استخدام الاسلحة الفسفورية وغيرها من الأسلحة المشابهة.

أحكام القانون الدولي الإنساني التي خالفها المحتل

يمكننا في هذا الصدد حصر وتحديد أحكام لائحة لاهاي لعام 1907 واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وإعلان بشأن حماية النساء والأطفال في حالات الطوارئ والمنازعات المسلحة الذي اعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3318 (د-29) في 14 كانون الأول/ديسمبر 1974 وغيرها من مواثيق القانون الدولي الإنساني التي انتهكتها وخالفت مضمونها صراحة دولة الاحتلال الإسرائيلي جراء عدوانها المسلح غير المشروع على قطاع غزة المحتل، بالنقاط التالية:

• انتهاك صريح لنص ومضمون الفقرة (ز) من المادة 23 من لائحة لاهاي المتعلقة بقوانين واعراف الحرب لعام 1907، التي تدعي دولة الاحتلال باحترامها وتطبيقها استنادا لطبيعتها العرفبة الملزمة، جراء قصف وتدمير الممتلكات العامة والخاصة.
• انتهاك صريح لنص المادة 25 من لائحة لاهاي لعام 1907 التي حظرت مهاجمة أو قصف المدن أو القرى والمساكن والمباني غير المحمية أيا كانت الوسيلة المستعملة.
• انتهاك صريح لنص ومضمون المادة 56، جراء استهداف الممتلكات التعليمية والأثرية والفنية والعلمية والمساجد.
• انتهاك صريح لنص المادة "18" من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 التي حظرت الهجوم على المستشفيات المدنية.
• انتهاك لنص مضمون المادة الثالثة والثلاثين من ذات الاتفاقية التي تحظر تدابير الاقتصاص من الأشخاص المحميين وممتلكاتهم
• انتهاك صريح لنص ومضمون المادة 27 والمادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة، جراء جرائم العقوبات الجماعية وأعمال الاقتصاص الجاري ارتكابها في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
• انتهاك صريح لنص ومضمون المادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة، جراء عمليات الهدم والتخريب غير المبررة للملكيات الفلسطينية العامة والخاصة، التي شرعت قوات الاحتلال الإسرائيلي بتدميرها وتخريبها على نطاق واسع منذ بدء العدوان.
• انتهاك صريح لنص ومضمون المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة جراء إجبار السكان على النزوح والانتقال القسري من مناطق سكنهم المستهدفة الى مناطق أخرى.
• انتهاك صريح لنص ومضمون المادة 50 والمادة 51 و52 من بروتوكول جنيف الأول الملحق باتفاقيات جنيف الأربع لعام 1977، الذي نص على حصانة السكان المدنيين وعدم تأثر صفتهم المدنية بوجود أفراد بينهم لا يسري عليهم تعريف المدني، كما أكد على حظر استهداف المدنيين وحظر شن الهجمات العشوائية أي تلك التي لا توجّه إلى هدف عسكري محدد، أو التي تستخدم طريقة أو وسيلة للقتال لا يمكن حصر آثارها أو من شأنها أن تصيب الأهداف العسكرية والأشخاص المدنيين، أو الأعيان المدنية دون تمييز، أو تنفيذ عمليات متوقع أن تؤدي إلى خسائر في الأرواح المدنية أو تؤدي الى تدمير الممتلكات المدنية.
• انتهاك صريح لنص ومضمون المادة 54 من البروتوكول التي حظرت بشكل كلي تجويع المدنيين ووضعهم في ظروف معيشية صعبة.
• انتهاك صريح لنص ومضمون المادة 55 من البروتوكول التي حظرت استخدام أساليب أو وسائل القتال التي يقصد بها أو يتوقع منها أن تسبب مثل هذه الأضرار بالبيئة الطبيعية ومن ثم تضر بصحة أو بقاء السكان.
• انتهاك صريح لنص ومضمون المادة 71 من البروتوكول التي الزمت الأطراف المتحاربة باحترام وتسهيل مهمة أعمال الغوث ونقل وتوزيع إرساليات الغوث، وضرورة احترام وتجنب استهداف العاملين الذي يؤدون واجباتهم في هذا الشأن.
• انتهاك صريح لنص ومضمون المادة 79 من البروتوكول التي أكدت على وجوب حماية الصحفيين الذين يباشرون مهمات مهنية خطرة في مناطق المنازعات المسلحة باعتبارهم أشخاصاً مدنيين.

المسؤولية الدولية الناشئة عن ممارسات دولة الاحتلال الإسرائيلي

يترتب على انتهاك دولة الاحتلال الإسرائيلي لقواعد وأحكام القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني، فضلاً عن إنطباق مدلول أحكام وقواعد القانون الدولي لجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية على الممارسات والانتهاكات السالفة للمحتل الإسرائيلي، إثارة المسؤولية الدولية لدولة الاحتلال عن هذه الجرائم والإنتهاكات وهي بالاستناد لأحكام وقواعد القانون الدولي مسؤولية ذات طبيعة مزدوجة ، إذ هي مسؤولية مدنية من جانب وجنائية من جانب آخر.

أ‌- المسؤولية المدنية لدولة الاحتلال.

بالرجوع لأحكام وقواعد القانون الدولي الخاصة بخرق وإنتهاك أشخاص القانون الدولي لإلتزاماتهم الدولية وإرتكابهم لأعمال غير مشروعة بموجب أحكام وقواعد هذا القانون، نقف على أن أحكام القانون الدولي، قد ألزمت الطرف الذي أضر بالغير بواجب ومسؤولية العمل على إزالة ووقف آثار خرقه وإنتهاكه لأحكام وقواعد القانون.

وبشأن تطبيق الأوضاع السالفه على صعيد الشعب الفلسطيني الذي تضرر من المخالفات والجرائم التي تمثل خرقاً وإنتهاكاً واضحاً وصريحاً لإلتزامات دولة الاحتلال الإسرائيلي الناشئة عن أحكام وقواعد القانون الدولي الإنساني وقواعد القانون الدولي بوجه عام، يمكننا القول بأن قيام مسؤولية إسرائيل القانونية في هذا الشأن تقتضي:

• وقف دولة الإحتلال الإسرائيلي لممارساتها غير المشروعة:
وذلك من خلال إمتناعها عن المواصلة والإستمرار في ارتكاب عدوانها المسلح غير المشروع على قطاع غزة.
• إعادة الحال إلى ما كان عليه (التعويض العيني):
وهذا ما يقتضي ضرورة قيام دولة الاحتلال بإعادة الأوضاع في قطاع غزة الى الأحوال التي كانت عليها قبل ارتكاب العدوان، وبعبارة أخرى يعني هذا الشرط أو القيد، ضرورة أن تعود دولة الإحتلال الإسرائيلي بوضع الإقليم الفلسطيني وممتلكات سكانه وأوضاعه الديمغرافية والجغرافية إلى الحال الذي كان عليه قبل شروعها في تنفيذ وإقتراف عدوانها المسلح أي إلى الاوضاع التي كان عليها القطاع يوم 26/12/2008.
• التعويض المالي:
بالنظر لإستحالة إستعادة سكان الأراضي المحتلة لوضعهم السابق أي لما كان عليه الحال قبيل تنفيذ إسرائيل لعدوانها ، جراء قتل وجرح الآف الفلسطينيين وتدمير وإتلاف آلاف المنازل ومساحات شاسعة من أراضيهم وملكياتهم وما عليها.
يصبح الحل القانوني الأمثل والواجب تطبيقه في مثل هذه الأحوال، دفع دولة الاحتلال الإسرائيلي لمبالغ مالية لجميع من تضرر من انتهاكاتها في هذا المجال،كتعويض مالي عن هذه الأضرار على أن تراعي فيما تقدمة من مبالغ ضرورة ووجوب أن تكون عادلة ومنصفة، كما يجب ان تراعي هذه التعويضات كافة الأضرار التي لحقت بسكان الأراضي المحتلة وممتلكاتهم العامة والخاصة ، سواء ما كان منها مباشراً أي ظاهر وواضح ومحدد، أو ما كان منه غير مباشر أي ما قد تظهر أثاره ونتائجه بعد حين كما هو الحال مع الاضرار التي قد تلحق بالبيئة والتناسل والصحة جراء الغازات والاسلحة الفسفورية*.
ولعل الملاحظ بهذا الشأن تجنب اعضاء المجتمع الدولي وحتى الطرف الفلسطيني الحديث عن مسؤوليات المحتل المدنية ( التعويض المالي) وضرورة ملاحقته لتحمل كافة الاضرار المدنية الناشئة عن إخلاله بالتزماته القانونية**، **وهو الأمر الذي يريح المحتل ويعفيه دوما من تحمل التبعيات المالية لجرائمه، لهذا يجب ان لا يتم إغفال هذا الجانب في الجرائم الناشئة عن العدوان الإسرائيلي، وغيرها من الجرائم والانتهاكات، بل يجب الضغط والتحرك الفلسطيني والعربي والدولي الجاد لالزام إسرائيل على الوفاء بالتزماتها المدنية وتحمل تعويض الضرر الذي الحقته بالمدنيين والبنى التحتية والممتلكات المحمية.
وبالطبع ان تنفيذ سلطات الاحتلال الإسرائيلي للمتطلبات السالفة كتعويض عن إنتهاكها وإخلالها بالمواثيق والإتفاقيات الدولية يعد إجراء وعمل لا بد من تنفيذه إستنادا لقواعد القانون الدولي العام ولأحكام وقواعد القانون الدولي الإنساني المتعلقة بحالات الاحتلال، لا يمكن له أن يعفي دولة الاحتلال الإسرائيلي من قيام المسؤولية الجنائية للأفراد الذين أمروا أو خططوا أو نفذوا مجموع الانتهاكات والتصرفات التي تعتبر جرائم بمقتضى قواعد القانون الدولي العام والإنساني.

ب: مسـؤولية إسـرائـيـل الـجنائـية

الى جانب حقوق الطرف الفلسطيني المدنية، يترتب على تصنيف وإدراج الكثير من الممارسات الإسرائيلية المرتكبة خلال العدوان ضمن الأعمال والتصرفات المكيفة بكونها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، إثارة حق الطرف الفلسطيني والدول الاطراف في اتفاقية جنيف الرابعة والمجتمع الدولي في الملاحقة والمساءلة الجنائية للأفراد الذين أمروا أو خططوا لإرتكاب هذه الجرائم وأيضا أولئك الذين إرتكبوا ونفذوا هذه الجرائم على صعيد الإقليم الفلسطيني المحتل.
وبالرجوع لأحكام ومبادىء قواعد القانون الدولي العام ولأحكام القانون الدولي الإنساني الخاصة بالاحتلال الحربي، نجد تأكيد كل من المادة 146 من إتفاقية جنيف الرابعة والمادة 88 من أحكام بروتوكول جنيف الأول المكمل لإتفاقيات جنيف الأربع، على حق الأطراف التي تضررت من إقتراف الغير لجرائم دولية بحقها، في ملاحقة الآمرين بارتكاب هذه الجرائم ومرتكبيها ومساءلتهم كمجرمي حرب أمام محاكمها الوطنية .
كذلك أكدت على هذا الحق وضمنته أيضا المادة السادسة من ميثاق محكمة نورمبرغ بقولها "… ويسأل الموجهون والمنظمون والمحرضون والمتدخلون " الشركاء" الذين ساهموا في وضع أو تنفيذ مخطط أو مؤامرة لإرتكاب أحد الجنايات المذكورة أعلاه عن كل الأفعال المرتكبة …" .
ومن هذا المنطلق يحق للجانب الفلسطيني إستنادا لقواعد وأحكام قانون الاحتلال الحربي وقواعد قانون النزاعات الدولية المسلحة القيام بملاحقة جميع الأشخاص الذين آمروا بارتكاب هذه الجريمة، سواء كانوا عسكريين أو ساسة ورجال دولة، وليس هذا فحسب بل ينسحب هذا الحق على جميع الأشخاص القائمين على تنفيذ هذه الجريمة عملياً على صعيد الأراضي الفلسطينية المحتلة.

ثالثا: أدوات المسائلة الجنائية لمرتكبي جرائم الحرب
والجرائم ضد الانسانية

اثار موضوع الملاحقة الجنائية لمجرمي الحرب الإسرائيليين الكثير من الاشكاليات على صعيد المجتمع الفلسطيني وحتى على الصعيد الدولي، بل أظهرت النقاشات المتعلقة بهذا الموضوع حجم الخلط الكبير في تحديد المرجعيات الدولية المختصة بنظر الجرائم المرتكبة من الإسرائيليين.
فهناك من ينادي بالتوجه الى محكمة العدل الدولية؟، وهناك من يطالب السلطة الفلسطينية بالانضمام الفوري لمحكمة الجنايات الدولية لكي يستطيع ان يتدخل ويحرك الدعاوى ضد الإسرائيليين؟.
لاشك بأن فهم المرجعيات الدولية المتعلقة بالمساءلة والملاحقة الجنائية لمجرمي الحرب وغيرها من الجرائم الدولية، يمثل الخطوة الأولى والاساسية في تجسيد وتحقيق هذا التوجه، ولهذا نرى ضرورة وأهمية توضيح مختلف الابعاد المتعلقة بهذا الجانب، كي نسهم في تحديد الأتجاه السليم لجميع الجهات المعنية بالملاحقة والمساءلة الفعلية لمجرمي الحرب الإسرائليين.
غير انه قبل توضيح الوسائل والادوات الدولية القائمة والمتاح منها لمحاكمة ومساءلة المجرمين نرى أن نوضح بأن محكمة العدل الدولية الكائن مقرها في لاهاي، هي محكمة حقوقية ولا اختصاص لها مطلقا في المساءلة والملاحقة الجنائية لمجرمي الحرب، وإنما ولايتها قاصرة على الفصل في المنازعات الحقوقية المدنية التي تثور بين الدول، ولهذا لا يحق لغير الدول التوجه إليها، كما قد تمارس الى جانب وظيفتها القضائية مهمة الافتاء أي اصدار الفتاوى والتفسيرات القانونية المتعلقة بتفسير نصوص الاتفاقيات أو مبادىء وأحكام القانون الدولي في حال توجه اليها ايا من الدول او الهيئات الدولية الأخرى.

طرق وأدوات المسائلة الجنائية لمرتكبي جرائم الحرب
والجرائم ضد الانسانية
يتضح من الممارسة الدولية ومن أحكام المواثيق الدولية المعنية بالمساءلة الجنائية لمرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وجريمة الابادة وجود ثلاث أدوات قانونية للمساءلة هي:

1- تشكيل مجلس الأمن الدولي لمحاكم جنائية خاصة .

تتسم المحاكم الجنائية الخاصة بكونها محاكم جنائية مؤقتة أي محددة من حيث المدة الزمنية، وقاصرة في ولايتها على محاكمة مجرمي الحرب أو الجرائم الدولية في نزاع محدد بذاته وتقتصر على اشخاص من جنسيات محددة، ومن السوابق الدولية في هذا الشأن، لجنة المسؤوليات التي اختصت بمساءلة مجرمي الحرب في الحرب العالمية الأولى، ومحكمة نورمبرغ 1945م ومحكمة طوكيو1945م التي اختصت بمساءلة ومحاكمة مجرمي الحرب الالمان واليابانين في الحرب العالمية الثانية، ولقد تشكلت هذه المحاكم بناء على اتفاق بين الدول المنتصرة بالحرب.
وفي اعقاب قيام الأمم المتحدة اصبح مجلس الأمن الدولي استنادا لصلاحياته ومسؤولياته الناشئة عن ميثاق الأمم المتحدة المالك الأصيل لصلاحية تشكيل هذه المحاكم، حيث أنشأ مجلس الأمن الدولي استنادا لهذه الصلاحية كل من المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة بمقتضى قراره رقم 808 في العام 1993 لكي تتولى التحقيق والمحاكمة للمتهمين بارتكاب الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني في أراضي يوغسلافيا السابقة، كما أنشأ المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا بمقتضى قراره رقم (955) في عام 1994، لكي تتولى إجراءات التحقيق والمحاكمة فيما يخص جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ارتكبت في رواندا، كذلك أنشأ مجلس الامن بمقتضى قراره رقم 1664 المحكمة الخاصة ذات الطابع الدولى لمحاكمة المتهمين باغتيال رئيس وزراء لبنان*.
كذلك اصدر مجلس الأمن أكثر من قرار بشأن محاكمة مجرمي الحرب كما هو الحال بشأن قراره رقم 1593 الخاص بمحاكمة مجرمي الحرب فى دارفور، وقراره رقم 1315 الخاص بمحاكمة مجرمي الحرب فى سيراليون وغيرهما من القرارات.

إمكانية تشكيل مجلس الأمن الدولي لمحاكم جنائية خاصة بمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين؟.

لاشك بأن هذا الخيار غير ممكن لإدراكنا اليقيني بأن الولايات المتحدة ستجهض أي مشروع قرار قد يحال لمجلس الأمن بهذا الشأن، إذ ستلجأ الولايات المتحدة الى إستخدام حقها في النقض للحيلولة دون تحقيق ذلك، ولعل في تاريخ تعاطي الولايات المتحدة الأمريكية مع القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية على صعيد المجلس ما يحمل دلالة قاطعة وأكيدة على حتمية هذه النتيجة.

2- إحالة مجلس الأمن الدولي للوضع في قطاع غزة الى المحكمة الجنائية الدولية.

يحق لمجلس الأمن الدولي استنادا لصلاحياته المنصوص عليها في الباب السابع، وإيضا استنادا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن يحيل للمحكمة أي جريمة داخلة في اختصاصها بغض النظر عن عضوية الدولة في نظام المحكمة.
ولقد مارس مجلس الأمن فعليا هذه الصلاحية بمواجهة السودان، وذلك في اعقاب تسلم المجلس لتقرير لجنة التحقيق التي شكلها بمقتضى القرار رقم 1564 للتحقيق في الأوضاع بدارفور، إذ قرر المجلس بعد استلامه لتقرير اللجنة الصادر في كانون الثاني 2005، إحالة الوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي قبلت بدورها هذه الإحالة من خلال إعلان النائب العام في المحكمة الجنائية الدولية السيد لويس مورينو أوكامبو بتاريخ 6 حزيران 2005، عن شروع المحكمة بمباشرة التحقيق في جرائم دارفور.
إمكانية إحالة مجلس الأمن الدولي للوضع في قطاع غزة الى المحكمة الجنائية الدولية؟.

قد لا يختلف الوضع في هذه الحالة عن الوضع السابق، لكون قرارات مجلس الأمن المتعلقة بموضوع الإحالة الى المحكمة الجنائية الدولية، يجب ان تتخذ استنادا لاحكام الفصل السابع، وهنا بلاشك سيصبح هذا الخيار أيضا غير ممكن لإدراكنا اليقيني والقاطع بأن الولايات المتحدة لن تدخر جهدا في سبيل إجهاض أي مشروع متعلق بأحالة الانتهاكات والجرائم المرتكبة من الإسرائيليين لمحكمة الجنايات الدولية.

3-المقاضاة أمام المحكمة الجنائية الدولية

دخل ميثاق محكمة الجزاء الدولية حيز النفاذ في 1/7/2002م، ويبلغ عدد الدول التي صادقت على النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية حوالي 106 دولة منها اربع دول عربية هى الاردن وجيبوتي وجزر القمر واليمن. وهناك تسع دول عربية وقعت على النظام الأساسي ولم تصادق عليه بعد وهي، الجزائر والبحرين ومصر والكويت والمغرب وسلطنة عمان والامارات العربية وسوريا والسودان.
وتختص محكمة الجنايات الدولية بنظر اربع جرائم هي:
• جريمة الإبادة الجماعية .
• الجرائم ضد الإنسانية .
• جرائم الحرب.
• جريمة العدوان ( لم يتم تعريف هذه الجريمة من قبل الدول الاطراف في الميثاق ولهذا لاتزال هذه وأركانها قيد البحث لحين التوصل الى اتفاق وتوافق عليها مستقبلا).
وتباشر هذه المحكمة النظر في الدعاوى المتعلقة بالجرائم المختصة بها حال تلقيها لشكوى من أي من الجهات التالية:
- الدول الأطراف في النظام الأساسي للمحكمة.
-الدول غير الاطراف التي تودع إعلان لدى مسجل المحكمة، تقر بمقتضاه بقبول ممارسة المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بالجريمة قيد البحث.
- إذا أحال مجلس الأمن، متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة جريمه أو أكثر من الجرائم الداخلة باختصاص المحكمة، وبهذا الصدد يجوز للمجلس ان يحيل ما يراه من جرائم بغض النظر عن عضوية الدولة في نظام المحكمة.
-تحرك مدعي عام المحكمة من تلقاء ذاته.
وحول ولاية هذه المحكمة فهنا كما هو ثابت من النظام الأساسي تمارس هذه المحكمة ولايتها فقط على الدول الاطراف في نظامها الأساسي، سواء كانت هذه الدول هي الدولة التي وقع في إقليمها السلوك المجرم، أو كانت هذه الدول الطرف هي الدولة التي يعتبر الشخص المتهم بالجريمة أحد رعاياها.
وفي حال الإستثناء يمكن لولاية المحكمة ان تمتد لتشمل الدول غير الاطراف فيها وذلك ما قد يتحقق في حالتين هما:
- قبول الدولة غير الطرف في النظام الأساسي رضائيا ممارسة المحكمة لاختصاصها وذلك بموجب إعلان يودع لدى مسجل المحكمة.
- ان تمارس المحكمة اختصاصها على الدولة غير الطرف قسرا ودون رضاها، وذلك في الأحوال التي يقرر خلالها مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إحالة الجرائم المرتكبة من رعايا هذه الدولة أو على اقليمها إلى المدعي العام*.

إمكانيات مقاضاة الفلسطينيين لمجرمي الحرب الإسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية ؟

كما سبق وأسلفنا يمكن تحريك الدعوى الجنائية أمام المحكمة الجنائية الدولية بطلب من اي من الجهات التالية:
• الدولة الأطراف في النظام الأساسي للمحكمة.
• الدولة غير الاطراف التي تودع إعلان لدى مسجل المحكمة، تقر بمقتضاه بقبول ممارسة المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بالجريمة قيد البحث.
• الإحالة من مجلس الأمن،
• تحرك مدعي عام المحكمة من تلقاء ذاته.
وبصدد تطبيق هذه الاوضاع على الواقع الفلسطيني يمكن القول بأن تقدم الفلسطينيين بطلب لتحريك الدعوى الجنائية أمام المحكمة الجنائية أمرا في غاية الصعوبة بل والاستحالة للأسباب التالية:

1-لايعتبر الفلسطينيين دولة طرف بالنظام الأساسي لمحكمة الجزاء الدولية، كما لايعتبر الإسرائيلييون أيضا دولة طرف ولهذا لايحق للمحكمة من حيث المبدأ النظر في الجرائم المرتكبة من قبل رعاياهم أو الواقعة على اقاليمهم.
2-لا يستطيع الفلسطينيون وضع إعلان لدى مسجل المحكمة، بشأن قبول فلسطين لولاية المحكمة، إذ لن تقبل المحكمة من الفلسطينيين مثل هذا الإعلان لكون الشخصية القانونية الدولية الممنوحة بمقتضى القانون والممارسة الدولية لممثل الشعب الفلسطيني أي منظمة التحرير الفلسطينية، شخصية أدنى من الشخصية المممنوحة للدول، لكون الارض الفلسطينية لم تزل ارض محتلة، ولم يزل الاحتلال يمنع الفلسطينيين من ممارسة السيادة على اراضيهم، ولهذا لاتمتلك منظمة التحرير الفلسطينية أو فلسطين،* استنادا لهذا الواقع والوضع، الأهلية القانونية الممنوحة للدول بشأن ابرام المعاهدات الدولية أو الانضمام للمعاهدات الدولية التي تحصر عضويتها صراحة بالدول فقط.
وبالنظر لكون المحكمة الجنائية قاصرة في عضويتها على الدول وفق المفهوم القانوني الذي يعنية هذا الوضع، فهنا لن يقبل من فلسطين كما هو ثابت من ميثاق المحكمة مثل هذا الإعلان
3- لو سلمنا جدلا بقبول المدعي العام الدولي لصك الاعتماد فهنا يمكن للمتهم أو الشخص الذي يكون قد صدر بحقه أمر بإلقاء القبض أو أمر بالحضور أو الدولة التي لها اختصاص النظر في الدعوى ان تطعن بصحة هذا الصك وقيمته القانونية وبالتالي بعدم اختصاص المحكمة استنادا للوضع الفلسطيني في تحريك الدعوى.

4-لعل الأهم مما سبق وجود العديد من الأشكاليات والثغرات القانونية التي تضمنها النظام الأساسي والتي ستحول دون شك بين هذه المحكمة وإمكانية محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين، ليس على صعيد الجرائم المرتكبة في قطاع غزة الآن وإنما بمواجهة الجرائم السابقة والمستقبلية التي قد تركتب من الإسرائليين ومن هذه المعيقات:
أ-عدم سريان الميثاق بأثر رجعي على الجرائم المرتكبة قبل تاريخ نفاذ الميثاق وأيضا قبل انقضاء ستين يوم على تاريخ انضمام الدولة للمحكمة، ولهذا في حال انضمام إسرائيل لهذه المحكمة، لا يحق للمحكمة النظر بأي جريمة ارتكبت قبل انقضاء ستين يوم على التاريخ اللاحق لانضمامها( المادة 126). الا اذا قبلت ذلك طوعا وبما لا يعود الى ما قبل دخول المحكمة حيز النفاذ.
وذات الأمر ينطبق على الفلسطينيين فلو سلمنا جدلا بقبول صك الانضمام من الفلسطينيين، فلن يسري الميثاق علينا قبل انقضاء شهرين على تاريخ وضعنا لصك الانضمام، ولهذا لا يحق للمحكمة ان تنظر في أي جريمة ارتكبت على اراضينا قبل هذا التاريخ، إلا اذا وافقنا بمقتضى صك الايداع على ولاية المحكمة وصلاحيتها بنظر الجرائم التي وقت بأثر رجعي.
ب- نصت المادة /17/ من النظام الأساسي على أن المحكمة الجنائية الدولية لا تحل محل الاختصاصات القضائية الوطنية، وإنما تتدخل حصراً حينما لاتتوافر لدى الدول الرغبة في الاضطلاع بالتحقيق والمقاضاة أو القدرة على ذلك، ولهذا تعتبر هذه المحكمة مكملة للقضاء المحلي وليست بديلا عنه في محاكمة مرتكبي الجرائم الداخلة في اختصاصها.
ج-يحق لمجلس الأمن ان يطلب توقف المحكمة عن البدء أو المضي في التحقيق أو المقاضاة بموجب هذا النظام الأساسي لمدة اثنى عشر شهرا، ويمكن له ان يجدد هذا الطلب متى شاء وبشكل متكرر، ما يعني استحالة شروع هذه المحكمة بالتحقيق والمقاضاة الفعلية إلا اذا كان هناك ارادة ورغبة من الدول الاطراف في المجلس.

د- لا يستطيع المدعي العام استنادا للمادة 15 من النظام الأساسي، الشروع في إجراء التحقيق، سوى بعد الحصول على إذن من الدائرة التمهيدية للمحكمة ويمكن لهذه الدائرة بعد دراستها للطلب وللمواد المؤيدة له أن تأذن بالبدء في إجراء التحقيق، أو أن تقرر رفض ذلك.

هـ_حجية وسمو القضاء الداخلي على المحكمة بحيث لا تستطيع المحكمة ان تنظر في قضية أي متهم منظورة أمام القضاء الداخلي أو صدر بها قرار إدانة أو برأته المحكمة، إلا إذا كانت المحاكمة صورية أو لم تتم المحاكمة وفق معايير النزاهة والاستقلال.
و- يجوز للدولة أن تمتنع عن مساعدة المحكمة وتقديم الوثائق أو كشف أية أدلة إذا ما كانت هذه الأدلة تتعارض مع أمنها الوطني .
ز- يحق للدولة الراغبة في الإنضمام، استنادا للمادة 124 التحفظ على سريان الاختصاص الخاص بجرائم الحرب لمدة سبع سنوات لاحقة على إنضمامها للميثاق، ولهذا اذا ما انضمت إسرائيل للميثاق يمكنها ان تستخدم هذا النص لضمان، عدم ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائليين.

ولهذا نرى بأن المحكمة الجنائية الدولية وإن كانت خطوة هامة على صعيد خلق قضاء جنائي دولي دائم إلا انها بحاجة لوقفات جادة لتصويب الكثير من الثغرات والنقائص القانونية التي اعترت ميثاقها، لضمان فاعليتها وقدرتها على تحقيق العدالة والانصاف وملاحقة ومساءلة مرتكبي الجرائم الدولية، وليس هذا فحسب بل كان لبعض الممارسات الدولية اثرها السلبي على مدى جدية ومكانة هذه المحكمة، وخصوصا ما تعلق منها بإصدار مجلس الأمن القرارين رقم 1487 و1422 المتعلقين بإستثناء الجنود الأمريكان والعاملين في قوات حفظ السلام الدولية من المثول أمام هذه المحكمة، لتطمين الولايات المتحدة والتأكيد على عدم خضوعها لهذه المحكمة، كما ووقعت 40 دولة اتفاقات ثنائية مع الولايات المتحدة لمنح الأمريكيين حصانة بوجه الملاحقة الجنائية.
ولهذا تقتضي الصعوبة العملية التي تقف بوجه الفلسطينيين أمام التوجه لهذا الجسم الدولي، فضلا عن المعوقات التي قد تحول دون ممارسة هذه المحكمة لاختصاصها بمواجهة مجرمي الحرب الإسرائيليين، إن يتم البحث في الامكانيات المتاحة والعملية على صعيد ملاحقة ومسائلة مجرمي الحرب وهو ما يمكن له أن يتحقق باعتقادنا فقط في استخدام القضاء المحلي للدول الاطراف في اتفاقيات جنيف الأربع.

4-محاكمة الدول لمجرمي الحرب الإسرائيلييون أمام محاكمها الوطنية.
سنتاول هذا الوضع بشيء من التفصيل عند الحديث عن آليات المساءلة المتاحة دوليا لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين.

رابعا: كيف يمكن للفلسطينيين ملاحقة ومساءلة مجرمي الحرب الإسرائيليين؟

بعد هذا الاستعراض لآليات المساءلة والملاحقة الدولية لمجرمي الحرب يمكننا القول بأن الآلية المتاحة والممكنة للفلسطينيين، تنحصر بلا شك باستخدام الولاية الجنائية للدول الأطراف باتفاقية جنيف الرابعة، ويرجع الأساس القانوني في استخدام هذه الآلية الملزمة والواجبة التطبيق والتفعيل في مجموع الإلتزامات القانونية التي القتها اتفاقية جنيف الرابعة وأحكام بروتوكول جنيف الأول المكمل لإتفاقيات جنيف الأربع على عاتق الدول الأطراف فيها، ولعل أهم هذه الالتزامات :.
• تأكيد مضمون المادة الأولى من إتفاقية جنيف الرابعة على تعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تحترم هذه الإتفاقية وتكفل إحترامها في جميع الأحوال، بمعنى يجب على جميع الدول الاطراف في هذه الاتفاقية ان تحترم هذه الاتفاقية وليس هذا فحسب بل على الدول الاطراف في هذه الاتفاقية واجب ومسؤولية العمل الفاعل والجاد لما تراه مناسبا لحمل أي دولة اخلت بهذه الاتفاقية على التراجع والتوقف عن ذلك.
وبالنظر لكون إسرائيل دولة طرف في هذه الاتفاقية فهنا من واجب الدول الاطراف فيها ان تتحرك بشكل جدي لاجبار إسرائيل على احترام هذه الاتفاقية والالتزام ببنودها وأحكامها المتعلقة بحقوق السكان المدنيين وضمانات حمايتهم.
• الزمت المادة 146 من الإتفاقية الأطراف السامية المتعاقدة في الاتفاقية بأن تتخذ أي إجراء تشريعي يلزم لفرض عقوبات جزائية فعالة على الأشخاص الذين يأمرون بإقتراف إحدى المخالفات الجسيمة للإتفاقية.
• كما الزم ذات النص كل طرف في هذه الاتفاقية بملاحقة المتهمين بإقتراف المخالفات الجسيمة أو بالأمر باقترافها، وبتقديمهم الى محاكمه، أيا كانت جنسيتهم، وله أن يسلمهم الى طرف متعاقد آخر لمحاكمتهم.
• كذلك الزمت اتفاقية جنيف الرابعة كل طرف متعاقد في هذه الاتفاقية باتخاذ التدابير اللازمة لوقف جميع الأفعال التي تتعارض مع أحكام هذه الإتفاقية.
• الزم بروتوكول جنيف الأول المكمل لاتفاقيات جنيف الأربع، بمقتضى المادة السادسة والثمانون الدول الاطراف فيه بواجب ومسؤولية التدخل لقمع الإنتهاكات الجسيمة التي قد ترتكب واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع كافة الإنتهاكات ألأخرى للإتفاقية والبروتوكول.

وبصدد تطبيق مضامين النصوص والإلتزامات السالفة على الوضع في فلسطين، يمكننا القول بأن الدول الأطراف في إتفاقية جنيف الرابعة وبروتوكول جنيف الاول المكمل لها، ملزمة إستنادا لأحكام وقواعد هذه الإتفاقية بواجب العمل على التدخل الجاد بمواجهة التجاوزات الإسرائيلية الناشئة عن العدوان، سواء على صعيد ملاحقة ومحاكمة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة وجرائم الحرب، أو على صعيد وضع التدابير الجماعية التي تكفل وقف هذه الانتهاكات وإجبار اسرائيل على الإلتزام الفعلي بما تضمنته إتفاقيات تقنين قواعد القانون الدولي الإنساني من قواعد وأحكام في علاقاتها وممارساتها على صعيد الاراضي الفلسطينية المحتلة.
وإستنادا لما سبق وقلناه بخصوص العدوان والمخالفات والجرائم الجاري القيام بها وتنفيذها على صعيد الأراضي الفلسطينية المحتلة، يمكننا القول بأن هذه المساءلة قد تتم واقعيا إذا ما وجدت الارادة العربية والفلسطينية الفعلية والجادة ويمكننا في هذا الشأن ختم هذه الورقة بالتوصيات والمقترحات التالية لتفعيل وتجسيد هذه الآلية:

• مطالبة الدول الاطراف باتفاقية جنيف الرابعة بواجب تحمل مسؤولياتها القانونية الخاصة بملاحقة ومساءلة جميع الأشخاص المسؤولين عن إقتراف هذه الجريمة سواء تمثل دورهم في الأمر بإرتكاب هذه الجرائم أو التحريض على ارتكابها أو تنفيذها وارتكابها، وبهذا الصدد نرى ضرورة:
• شن حملة عربية فلسطينية بهدف عقد مؤتمر دولي للدول الاطراف باتفاقية جنيف الرابعة لبحث مسؤولياتها والتزاماتها القانونية الناشئة عن ارتكاب دولة الاحتلال الإسرائيلي لمجموعة من الانتهاكات الجسيمة لاحكام الاتفاقية، فضلا عن بحث هذه الدول لوسائل الضغط والتدخل التي يجب ان تقوم بها بمواجهة الانتهاكات الاسرائيلية.
• هناك البعض من هذه الدول التي قبلت بفتح ولايتها الجنائية لملاحقة ومحاكمة مجرمي الحرب، غير أنها وضعت الكثير من الشروط التي قد تحول دون ذلك، كجنسية المتضرر وجنسية المجرم وموضوع الحصانة وغيرها من الشروط الشكلية، وبهذا الصدد ارى ان يتم رفع قضايا امام قضاء هذه الدول لالزامها على إعمال وتفعيل التزاماتها الاتفاقية وبالتالي الزامية فتح قضائها الداخلي امام ملاحقة ومساءلة مجرمي الحرب في دولة الاحتلال الإسرائيلي.
• الزام الدول العربية بفتح ولايتها الجنائية لمساءلة وملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين، لتشجيع الغير على أخذ هذه الخطوة وأيضا لأثر ذلك النفسي على الإسرائيليين والفلسطينيين.
• تحرك الجهات الرسمية العربية والفلسطينية باتجاه مطالبة مجلس الأمن الدولي بالتدخل إستنادا لصلاحياته الأساسية في حفظ الأمن والسلم الدولي في مواجهة خرق وتجاوز اسرائيل لأحكام الميثاق الدولي، ومطالبته بتشكيل محكمة جنائية خاصة ورغم صعوبة هذه الخطوة، ستنعكس بشكل إيجابي على الاوضاع في الاراضي الفلسطينية.

• تشكيل لجنة لبحث إمكانية دفع مؤسسات حقوق الانسان الدولية وهيئات التضامن مع الشعب الفلسطيني والنقابات المهنية الأجنبية لتبني قضايا ورفعها أمام محاكمها الوطنية، استنادا لالتزامات دولها الناشئة عن اتفاقية جنيف الرابعة.
• ان طرح موضوع الملاحقة بحد ذاته سيخلق حالة من الرعب لدى القادة والساسة ما سينعكس وقائيا على ممارسات وتصرفات غيرهم، ما قد يقلل من الانتهاكات والجرائم، وبالتالي قد يساهم هذا الإجراء برفع قدر لا بأس به من المعاناة عن الفلسطينيين.

• إمكانيات النجاح في هذا الموضوع جيدة بدليل نجاح مؤسسة الحق وبعض المؤسسات الفلسطينية رغم شح إمكانياتها في اجبار العديد من قادة الاحتلال على الهروب من بعض الدول ومغادرتها كما هو الحال مع وزير الدفاع السابق موفاز وألموغ اللذان اجبرا على مغادرة الاراضي البريطانية، كما تم اجبار بعض الشركات كما هو الحال مع شركة هونيكن، وشركة اوربية خاصة بصناعة الابواب على اقفال مشاريعها في مستوطنة بركان.
• هناك امكانية لرفع بعض القضايا امام قضاء بعض الدول التي يمتلك قضائها اختصاص على بعض الجرائم الدولية ومنها جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية.
• كل ما سبق يحتاج الى جهد وتوثيق دقيق وتكييف قانوني واثبات للقصد الجنائي في ارتكاب الجرائم الأمر الذي يعني بأن الموضوع ليس تصريحات اعلامية او قناعات هذا الشخص او ذاك.
وفي الختام نتوجه بهذه الرسالة لمجرمي الحرب الإسرائيليين، مستمدين مضمونها وفلسفتها من رسالتهم التي اطلقوها اثناء محاكمة أدولف إيخمان الذي خطفته اجهزة الأمن الإسرائيلية من احدى دول امريكا اللاتينية (الارجنتين) وقدم للمحاكمة أمام المحاكم الإسرائيلية في العام 1961 لاشتراكة في أعمال الابادة التي تعرض لها اليهود على يد النظام النازي، فقد قال النائب العام الإسرائيلي في مرافعته أثناء المحاكمة ( ليس هناك تعويض أو غفران لما ارتكب من فظائع وكل ما نأمل فيه ان يكون الابناء مختلفين عن الأباء أما بالنسبة للاشخاص الذين ارتكبوا الجرائم لا يمكن الصفح عنهم)
ونحن كنشطاء وكمؤسسات حقوق انسان فلسطينية نرفع صوتنا عاليا بالقول ليس هناك غفران أو تسامح عما ارتكبه المحتل الإسرائيلي من فظائع وجرائم وسنبقى مصرين على حق شعبنا الفلسطيني في تقديم هؤلاء المجرمين للعدالة فلا مجال للصفح عنهم ونسيان جرائمهم والم ومعاناة ضحاياهم.

انتهى

________________________________________

________________________________________

href="http://statcounter.com/" target="_blank"> class="statcounter"
src="//c.statcounter.com/7777687/0/e4135b25/1/" alt="web
analytics">