قال الخبير الفلسطيني في القانون الدولي الدكتور عبد الله أبو عيد خلال ندوة عقدها مركز حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس" في مدينة بيت لحم حول جرائم الحرب وانتهاك القانون الدولي الإنساني.أن إمكانية مقاضاة بعض القيادات الإسرائيلية أمام محكمة الجرائم الدولية تعتبر شبه معدومة لكون السلطة أو منظمة التحرير الفلسطينية ليست دولة ذات سيادة وحتى لو اعتبرت دولة فهي غير عضو بالنظام الأساسي للمحكمة كما وان إسرائيل ليست عضواً بها.وقال أنه من المفضل إتباع الطريقتين التاليتين لتحقيق هذا الهدف إما إقامة الدعاوي الجزائية ضد هؤلاء المتهمين أمام محاكم بعض الدول الغربية التي تأخذ بمبدأ الاختصاص الدولي مثل اسباني وانجلترا وبلجيكا وغيرها وهذا الاتجاه فيه بعض العقبات أهمها تغيير بعض هذه الدول لقوانينها للتخلص من النظر في هكذا دعاوى كما حدث في بلجيكا .كما يمكن أن تقاضى دول الاحتلال مدنياً في الدول التي لها فيها أموال من قبل أهالي الشهداء والمتضررين.أما الطريقة الأخرى فهي التعاون مع بعض الدول الصديقة الأعضاء في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والتي لها رعايا يحملون الجنسية الإسرائيلية وهم في نفس الوقت يحملون جنسية تلك الدول الصديقة وشاركوا في ارتكاب جرائم حرب في غزة وغيرها فباستطاعة هذه الدول الصديقة أو بعض المنظمات الأهلية الصديقة فيها أن تطلب محاكمة هؤلاء في محاكمها ولدى رفضهم المثول أمامها الطلب بمحاكمتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية .وهذا الإجراء الآن تدرسه عدد من المنظمات الأهلية والمحاميين في جنوب إفريقيا لأتباعه ، إذ أن هذه الدولة عضو في المحكمة . جاء ذلك خلال ندوة عقدها مركز حقوق الإنسان والديمقراطية "شمس" في مدينة بيت لحم حول جرائم الحرب وانتهاك القانون الدولي الإنساني.
تعريف الجريمة الدولية
وأوضح الدكتور أبو عيد أنه لا يوجد اتفاق حتى اللحظة على تعريف الجريمة الدولية ،وقال فمنهم من عرفها على أنها كل سلوك محضور يقع تحت طائلة الجزاء الجنائي الذي يطبق و ينفذ باسم المجموعة الدولية . كما عرفه جلاسير فإنما كل فعل يخالف القانون الدولي كونه يضر بالمصالح التي تحميها هذا القانون في نطاق العلاقات الدولية و يوصف بأنه عمل جنائي يستوجب تطبيق العقاب على فاعله . إلا أنه من خلال ما سبق من تعاريف يمكن تعريف الجريمة الدولية على أنها كل عمل أو امتناع عن عمل يصيب المصالح الدولية أو الأساسية الكبرى بضرر يمنعه العرف الدولي ويدعو إلى المعاقبة عليه باسم المجموعة الدولية .واستنتاجا لهذا التعريف فأن الجريمة الدولية هي سلوك من شأنه لو حدث أن يعكر صفو العلاقات الودية بين الدول بوصفه عملا يصيب المصالح الدولية المحمية بالضرر كجرائم السلام مثلا ولا تنحصر هذه المصالح المحمية في العلاقات الدولية بين الدول فحسب فقد أقر المجتمع الدولي ضرورة حماية المصالح الأساسية أيضا كذلك بتحريمه أعمال القتل أو الإبادة أو الاسترقاق أو الإبعاد و كل اضطهاد مبني على أسباب سياسية أو عنصرية دينية بل و يحمي القانون الدولي الجنائي كل ما من شأنه أن يحط بكرامة الإنسان كالتعذيب و المعاملة السيئة و الاعتداء على المدنيين فيما يسمى بجرائم الحرب.
السياق التاريخي لجرائم الحرب
وتناول الدكتور أبو عيد السياق التاريخي لجرائم الحرب حيث نشأت القواعد لقانون الحرب خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر وقد جمعت في مؤتمر لاهاي عام 1899 ومؤتمر لاهاي 1907والمؤتمر الثاني هو الأكثر أهمية فقد تم تجميع القواعد القانونية الناظمة لكافة الأمور المتعلقة بالحرب من حيث الأسلحة الممنوعة والمحرمة – وسائل الحرب وأساليبها ( المسموح والممنوع منها )- الاحتلال الحربي والتزامات سلطة الاحتلال وحقوق المدنيين الخاضعين للاحتلال وغير ذلك من الأمور ذات العلاقة .وقد اعتبرت هذه القواعد ضمن القواعد القانونية العرفية الملزمة لكافة الدول وأعضاء الجماعة الدولية هي تلك الدول التي لم تنضم إلى معاهدات لاهاي وتلك التي لم تكن قد نشأت آنذاك
وقال أن الحرب العالمية الثانية أجبرت وما تم خلالها من بشاعات وجرائم خطيرة ارتكبتها معظم الجيوش المتحاربة وخاصة جيش ألمانيا النازية ضد الدول الأخرى وخاصة دول الأعداء أجبرت أعضاء الجماعة الدولية على عقد اجتماعات 1945-1949 نتج عنها وضع معاهدات دولية أعلن عنها في آب 1949 وهي معاهدات جنيف الأربع التي اعتبرت المصدر الثاني التقاعدي لقواعد قانون الحرب . والذي أطلق عليه قانون الحرب ، وفيما بعد تعبير آخر هو " القانون الدولي الإنساني " بهدف إبراز الجوانب الإنسانية في قواعد هذا القانون
كما أن الجرائم المرتكبة خلال الحروب التي كانت السمة الأساسية للعلاقات الدولية خاصة للدول الاستعمارية فقد كان استخدام القوة مسموح به دون ضوابط أو كوابح وكانت الدول القوية مثل انجلترا وفرنسا وألمانيا وروسيا تمثل أقاليم الدول الأخرى بعد هزيمتها وتضم إقليمها وأجزاء من ذلك الإقليم قبل الحرب العالمية الأولى ،كانت الحرب دافع آخر لهذه الدول في البعث عن صيغ قانونية ،فقد حاولت الدول الكبرى تنظيم الأمور في مؤتمر فرساي ولكنها لم تمنع استخدام القوة المسلحة كوسيلة من وسائل السياسة الخارجية ومع ذلك فقد نصت المادة (328) من معاهدة فرساي 1919 على معاقبة قيصر ألمانيا وليم الثاني بسبب شنه الحرب الآونة هرب ولجأ إلى بلجيكا التي اعتبرته لاجئا سياسيا وبذلك استطاع التخلص من تجريمه وهذه كانت أول بادرة دولية لإنزال عقوبات بالأفراد المسئولين عن ارتكاب جرائم خلال الحرب .
خصائص الجريمة الدولية
أما فيما يخص خصائص الجريمة الدولية فقال أبو عيد أن العرف استقر و أكدت التجارب الدولية جملة من الحقائق أعطت للجريمة الدولية بعض الخصائص الذاتية والقانونية التي تميزها عن الجريمة الداخلية من هذه الخصائص خطورة الجريمة الدولية وجسامتها تظهر خطورة و جسامة الجريمة الدولية في اتساع و شمولية آثارها و يكفي بأن نذكر بأن من الجرائم الدولية ما يستهدف إبادة و تدمير مدنا و قتلى بالجملة و تعذيب مجموعات و غير ذلك من الأعمال الفظيعة التي يعجز القلم عن وصفها و وصف نتائجها المدمرة .
يمكن استخلاص الخطورة إما من طابع الفعل المجرم و إما من اتساع آثاره وإما من الدافع لدى الفاعل و إما من عدة عوامل.جواز التسليم في الجرائم الدولية الجرائم في القانون الداخلي نوعان عادية و سياسية و تجيز القوانين الداخلية التسليم في الجرائم العادية و يختلف الأمر في القانون الدولي الجنائي عن القانون الوطني إذ لا يعرف القانون الدولي الجنائي تمييزا أو تفرقة بين الجرائم و بالتالي لا يجوز وصف جريمة دولية أخرى بأنه جريمة عادية و هذا يعني أن جميع الجرائم الدولية تخضع لنفس المبدأ فإما أنها جميعها من الجرائم التي يجوز فيها لتسليم و إما أنها من الجرائم التي لا يجوز فيها التسليم، استعباد قاعدة التقادم من التطبيق في الجرائم الدولية نعني بالتقادم سقوط العقوبة أو الدعوى العمومية لمضي المدة وهي قاعدة تأخذ بها معظم التشريعات الوطنية أما على المستوى الدولي لم يتطرق أحد لقاعدة التقادم قبل الحرب العالمية الثانية و لعل السبب يعود إلى أن أحدا لم يحتج بهذه القاعدة قبل هذا التاريخ .
و لم تشير إليها اتفاقية لندن 1945 والنظام الأساسي لمحكمة ( نورمبورغ ). إلا أن ألمانيا الاتحادية أعلنت عام 1964 بأن قانونها الجنائي يأخذ بقاعدة تقادم الجرائم بمضي 20 سنة على ارتكابها و يعني تطبيقها على هذا النحو سقوط الدعوى العمومية بالنسبة لجميع الأشخاص المذنبين بارتكاب الجرائم الدولية والذين لم يقدموا للمحاكمة بعد.
أقسام الجرائم الدولية
وحول أقسام الجرائم الدولية قال الدكتور أبو عيد أنها تقسم إلى قسمين، منها جرائم ترتكب وقت السلم، كالقرصنة واختطاف الطائرات والاتجار بالرقيق، والإبادة الجماعية متى وقعت وقت السلم، وجرائم ترتكب وقت الحرب والنزاعات المسلحة وتسمى جرائم حرب، وهي التي نص عليها في المادة السادسة من النظام الأساسي للمحكمة العسكرية في نورمبرج، وقد وضع لهذا الغرض ميثاق لندن سنة 1945م.بالإضافة إلى ذلك هنالك طائفة من الجرائم تسمى بالجرائم ضد الإنسانية ويدخل في إطارها جريمة إبادة الجنس البشري.وهي الجرائم التي تنطوي على عدوان صارخ على الإنسان، وتتمثل في القتل والإبادة والإبعاد والاسترقاق، وكل فعل غير إنساني آخر يرتكب ضد المدنيين قبل وأثناء الحرب وفي أثنائها).
وقد حددت المادة 6/ج من ميثاق لندن سنة 1945م الجرائم ضد الإنسانية بانها تشمل: القتل عمدا، والنفي، والاستبعاد، وغير ذلك من الأعمال اللاإنسانية، التي ترتكب ضد السكان المدنيين قبل الحرب وفي أثنائها، أو أي أحكام تبني على أسس سياسية، أو عنصرية، أو دينية، في تنفيذها أو فيما يتعلق بأي جريمة داخل نطاق اختصاص المحكمة، سواء أشكلت أم لم تشكل انتهاكا للقانون الوطني للدولة التي وقعت فيها هذه الجرائم والانتهاكات، وقد ربطت المادة نفسها هذا النوع من الجرائم بالحرب، أي بإعلان الحرب أو قيامها.
وتعتبر هذه الأفعال مجرمة متى ارتكبت ضد المدنيين عموما، بغض النظر عن جنسياتهم أو انتماءاتهم المجتمعية، وأيا كان مرتكب هذه الجرائم، بمعنى أنها كانت هذه في معظمها نتيجة لفعل دولة، أو سلطة، ويتم تنفيذها من خلال فاعلين ذوي سلطة، أو غير ذوي سلطة رسمية، فعنصر الدولة أو السلطة ليس هو المميز الوحيد للاختصاص القضائي الدولي للجرائم ضد الإنسانية، لأن هذه الجرائم قابلة للانطباق على الفاعلين من غير ذوي السلطة، إذا كانوا يتصرفون إما بأنفسهم، أو بناء على نهج متفق عليه مع فاعلين ذوي سلطة.
جريمة إبادة الجنس البشري كان للحرب العالمية الثانية وما ارتكبت خلالها من جرائم بشرية، أثر في دفع المجتمع الدولي نحو تجريم كثير من الأفعال غير المشروعة، التي قد ترتكب ضد أفراد أو جماعات معينة، بسبب انتمائها السياسي، أو العرقي أو الديني، وذلك من خلال إصدار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11/12/1946م، قرارا يتضمن إعلانا يجعل إبادة الجنس البشري جريمة دولية تتعارض مع روح الأمم المتحدة وأهدافها، ويستنكرها الضمير الإنساني، ولذلك فقد أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة اتفاقية منع إبادة الجنس البشري في 9/12/1948م، التي دخلت حيز التنفيذ بتاريخ 12/1/1951م بعد تسعين يوما من إيداع وثيقة تصديق الدولة العشرين عليها، وقد بلغ عدد الدول التي صدقت على هذه الاتفاقية أو انضمت إليها مع حلول عام 1997م (123) دولة.
وقد عرفت الاتفاقية جريمة إبادة الجنس البشري بأنها أي فعل من الأفعال التي ترتكب بقصد القضاء كليا أو جزئيا على جماعة بشرية، بالنظر إلى صفاتها العنصرية أو الجنسية أو الدينية.وقد نصت الاتفاقية على عدد من الأفعال التي تعد مكونة لهذه الجريمة، منها قتل أعضاء جماعة ما، والاعتداء الجسيم على أفرادها جسميا، أو نفسيا، أو إخضاع الجماعة عمدا إلى ظروف معيشية من شانها القضاء عليها، سواء أكان ذلك بصفة كلية أم جزئية، كذلك اتخاذ وسائل من شانها إعاقة التناسل داخل هذه الجماعة، أو نقل الصغار قسراً من جماعة إلى أخرى.وقد نصت الاتفاقية على معاقبة مرتكب جريمة إبادة الجنس البشري، كما جرمت الاتفاق أو الشروع أو الاشتراك في هذه الجريمة، بل إن من أهم ما نصت عليه هو:معاقبة كل من يرتكب هذه الجريمة، أو أي فعل من الأفعال التي نصت عليها، سواء أكان حاكما، أم موظفا، أم فردا عاديا، وبذلك أصبحت هذه الجريمة ليست من اختصاص التشريعات المحلية فقط، مما يدخلها في اختصاص القانون الدولي.ولعل أهم ما يميز هذه الاتفاقية من حيث نطاق الزاميتها أنها تدخل في نطاق العرف الدولي الذي تتسم قواعده بعمومية التطبيق.
وفي النهاية أوضح الدكتور أبو عيد أن تطور القواعد القانونية المتعلقة بالمخالفات الخطيرة المرتكبة خلال الحروب حبيسة النصوص القانونية خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية بسبب الحرب الباردة والعداء بين المعسكرين الرئيسيين في العالم ووجود توازن في القوى بينهم إلى انه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي .اصح من السهل إجراء محاكمات جنائية لعدد من الزعماء السياسيين والعسكريين لدول محددة وهي في غالبيتها من دول العالم الثالث أومن الدول الضعيفة مثل سيراليون وروندا والسودان والكونغو وصربيا وكمبوديا.
ونتيجة لذلك أنشأت محاكم خاصة أهمها المحكمة الجنائية الخاصة ليوغسلافيا السابقة التي أقرها مجلس المن عام 1993 والمحكمة الجنائية الخاصة لرواندا التي صادقت عليها مجلس الأمن 1994. ومحكمة كمبوديا وسيراليون وغيرها .وفيما بعد تمت المصادقة 1998 على إنشاء محكمة جنائية دولية بموجب ميثاق روما الذي أصبح فيما بعد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية إلي اتخذت لاهاي مقراً لها.