تشير تقديرات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وغيرها من المؤسسات المتخصصة إلى أن الجامعات الفلسطينية تخرج سنويا ما يقارب 40 ألف طالب وطالبة، باحثين عن فرص عمل، إضافة لحوالي 20 ألف من خريجي السنوات التي سبقتهم ما زالوا في طور البحث عن فرص عمل مناسبة.
وهنا لا بد من الإشارة إلى عدد من الدراسات والتقارير التي أصدرها منتدى شارك الشبابي، وغيره من المؤسسات كمعهد الدراسات الاقتصادية (ماس)، ومركز دراسات التنمية، والتي تناولت بالتحليل العلاقة بين مخرجات العملية التعليمية، وفرص واحتياجات سوق العمل. والتي توقفت عند عدد كبير من العوامل المؤثرة في البحث عن عمل في أوساط الخريجين الجدد، فإضافة لعوامل بنيوية كضعف الاقتصاد، وصغر حجم سوق العمل نسبة لأعداد الباحثين عن عمل، فإن العلاقة بين سوق العمل من ناحية، ونوعية التعليم العالي من ناحية أخرى تعتبر أحد أهم العوامل التي يجب إيلاءها أهمية خاصة، بالذات لأن هذا الموضوع متاح للتأثير الفوري من قبل صناع القرار، ولا يتطلب تلك الموارد والمدة الزمنية التي يتطلبها العمل على تغيير بنية الاقتصاد ككل.
ومن أهم محددات العلاقة بين التعليم وفرص العمل، المهارات العملية والخبرات التي يتخرج بها طلبة الجامعات الفلسطينية، والتي تشير معظم التقارير والتقييمات لنوعية التعليم العالي الفلسطيني أن هذا الأخير يزود الطلبة بالمعرفة النظرية، دون التركيز على المهارات العملية التي يتطلبها سوق العمل، والاحتياجات المجتمعية والتنموية بشكل عام، ما يشكل عائقا أمام انخراط سلس للخريجين الجدد في سوق العمل. هذا فضلا عما يمثلة ذلك من تضييق آفاق البدء بمشاريع خاصة لدى قطاعات واسعة من الخريجين لافتقارهم المهارات المهنية والتقنية اللازمة.
وبعبارات أخرى، فنظرا لمحدودية فرص العمل، فإن خيارات التعليم تكون صعبة جدا أمام الشباب. وبما أن النظام التعليمي صارم وغير مرن، فإن خيارات الشباب في عمر 16 سنة يمكن أن تؤسس أو تهدم وظيفة ما مدى حياتهم. فالكثير من الشباب الذين يسعون لتأسيس مشاريع خاصة بهم، ينهون دراستهم بدون مهارات عمل أو مهارات تمكنهم من إنتاج سلعة أو خدمة قابلة للبيع. وكذلك الأمر بالنسبة للشباب الذين يريدون الدخول في قطاع الخدمات، حيث غالبا ما يفشلون في تعلم المهارات الضرورية التي تؤهلهم لإيجاد عمل في ذلك القطاع. لذلك يصبح استهداف القطاع العام خيارا جيدا ولكن "الواسطة" تجعل هذا القطاع صعبا، علما بان الشابات تواجهن أيضا تمييزا في جميع القطاعات. وعلى الرغم من ان الإفتقار إلى فرص العمل هي المشكلة الأكبر، فإن الإفتقار للمهارات الملائمة والتدريب يشير إلى عدم قدرة الشباب الفلسطيني على خلق فرص عمل خاصة بهم أو حتى الإستفادة من فرص العمل المتوفرة.
إن أحد أهم خطوات النجاح في العملية التنموية، هو الاستثمار في رأس المال البشري، فقطاع الشباب، والذي يشكل العمود الفقري للتنمية والانتاج في فلسطين، يتميز بمؤهلاته العلمية العالية، والتي تحتاج إلى توجيه عملي، يربط المعارف النظرية بالمهارات العملية، الأمر الذي يتطلب مراجعة السياسات التعليمية في مراحل مبكرة في الحياة الدراسية في التعليم المدرسي، بحيث يصبح التعليم المهني أحد روافع التنمية المحلية، وتزويد المجتمع والصناعات والحرف الفلسطينية، بطلبة مؤهلين وقادرين على الإنتاج والعمل، ومن جهة أخرى، ربط التعليم الجامعي بسوق العمل، والعملية التنموية، وعلى مديين، مدى قصير يحاول الحد من البطالة، وتوفير أكبر قدر من فرص العمل اللائقة والملاءمة لخريجي الجامعات، ومدى طويل يتطلع بتحويل التعليم الجامعي لبوتقات لإنتاج المعرفة، وتوليد مهارات نوعية فلسطينية، تستطيع خلق نموذجها التنموي المحلي، والانعتاق تدريجيا من التبعية الاقتصادية والاعتمادية، بل وتصدر الخبرات الفلسطينية إلى الأسواق العالمية.