أدان المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بشدة نتائج تقرير لجنة التحقيق التي شكلها الأمين العام للأمم المتحدة للتحقيق في الاعتداء على سفينة مرمرة التركية( لجنة بالمر)، إحدى سفن أسطول الحرية في المياه الدولية، والتي كانت متوجهة إلى قطاع غزة، وتحمل مساعدات إنسانية للسكان المدنيين. ويرى المركز أن اللجنة قد غلبت الاعتبارات السياسية على حساب سيادة القانون الدولي وحقوق الضحايا، فيما أضفت الشرعية على سياسة العقاب الجماعي ممثلة بالحصار المفروض على قطاع غزة.
ووفقاً لمقتطفات غير رسمية، نشرتها صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية بتاريخ 1/9/2011، فان التقرير وصف الحصار البحري الإسرائيلي المفروض على غزة بأنه قانوني من وجهة نظر القانون الدولي. وتبعاً لذلك، فإنه لم يطالب إسرائيل بالاعتذار عن الجريمة التي ارتكبتها ضد نشطاء حقوق إنسان، كانوا يحاولون إيصال مساعدات إنسانية إلى غزة، وأدت إلى مقتل تسعة مدنيين، وجرح نحو خمسين آخرين. واكتفى التقرير باعتبار أن إسرائيل بالغت في استخدام القوة المفرطة في تصديها لأسطول الحرية. وحث التقرير إسرائيل على دفع تعويضات مالية لذوي الضحايا. ويرى المركز أن التوصيات التي يتضمنها التقرير لا تتناسب مع الجرائم الواردة فيه، بما في ذلك تقارير الطب الشرعي التي تفيد بأن معظم الضحايا تعرضوا لإطلاق النار عدة مرات، ومن مسافة قصيرة. ويعيد المركز التأكيد على أن الاعتداء على سفينة مرمرة هو جريمة يندى لها جبين الإنسانية، استخدمت فيها القوة المفرطة والفتاكة، وأسفرت عن مقتل وإصابة العشرات من المتضامنين الدوليين على متن أسطول الحرية، وجميعهم من المدنيين[1].
ويرى المركز أن لجنة التحقيق، التي شكلها السيد بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، بتاريخ 2 أغسطس 2010، وبدأت عملها في 10 أغسطس 2010، هي لجنة سياسية بامتياز، وبالتالي فإن نتائجها هي نتائج سياسية محضة، ولا يتوقع أن تقدم فتاوى قانونية، كتلك الفتوى التي اعتبرت أن الحصار الذي تمارسه سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي هو شرعي من وجهة نظر القانون الدولي. وقد تولى رئاسة اللجنة السيد جيفري بالمر، رئيس وزراء نيوزيلندا السابق، فيما تولى الرئيس الكولومبي السابق ألفارو أوريبي منصب نائب رئيسها، وضمت في عضويتها كل من الإسرائيلي جوزف إتسهار والتركي سليمان أوزدم سنبرك. وكانت العديد من منظمات المجتمع المدني في كولومبيا وأمريكا اللاتينية قد اتهمت نائب رئيس اللجنة الكولومبي، ألفارو أوريبي، بأنه متورط في اقتراف انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في بلاده على مدار سنوات.
ويعتقد المركز أن اللجنة التي شكلت للتحقيق في هذه القضية تفتقد إلى المهنية، حينما تخالف الآراء القانونية المختلفة، والصادرة عن العديد من خبراء القانون الدولي وأجسام الأمم المتحدة المختلفة العاملة في ميدان حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، والتي أجمعت على أن الحصار الشامل الذي تفرضه سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي على قطاع غزة هو غير قانوني، ويمثل ضرباً من ضروب العقاب الجماعي، والذي تحظره المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة، لعام 1949 والخاصة بحماية المدنيين في أوقات الحرب. ويصنف على أنه جريمة حرب ينبغي أن يتم العمل على وقفها ومنع تكرارها من كافة الأطراف، بما في ذلك الأطراف السامية المتعاقدة على تلك الاتفاقية. كما يرى المركز أن تحرك المنظمات الدولية الإنسانية ونشطاء حقوق الإنسان هو نتيجة طبيعية لكسر الحصار الجائر المفروض على قطاع غزة منذ منتصف العام 2007، والذي أحكم بموجبه فرض حصار شامل وإغلاق كافة المعابر الحدودية البرية والبحرية لقطاع غزة، بعد أن جرى تدمير مطار غزة كلياً في العام 2000.
في ضوء ما سبق يدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان النتائج الأولية التي خلصت إليها اللجنة، والتي تخالف موقف المجتمع الدولي من الحصار المفروض على قطاع غزة بشكل عام، بما في ذلك ما ورد في التقارير الدولية التي تناولت أوضاع حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها قطاع غزة، وخاصة التقارير الصادرة عن مجلس حقوق الإنسان، تقارير مقرر الأمم المتحدة الخاص بالأرض الفلسطينية المحتلة. كما تتناقض نتائج تقرير لجنة بالمر مع نتائج تقرير القاضي غولدستون، الذي أعدته بعثة تحقيق مستقلة كلفها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للتحقيق في العدوان الحربي الإسرائيلي على قطاع غزة في العام 2008-2009، والذي جرم الحصار المفروض على قطاع غزة. كما وتتعارض نتائج تقرير بالمر مع الموقف القانوني الصادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر، المخولة بتفسير القانون الدولي الإنساني، والذي يؤكد أن الحصار يشكل عقاباً جماعياً مفروضاً على السكان المدنيين في قطاع غزة، وهو انتهاك صريح لالتزامات إسرائيل بموجب القانون الدولي.
وفي ضوء ما سبق فان المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان:
* يرفض نتائج التقرير كلياً، ويرى أنها مسييسة ولا تعير أي اعتبار لقواعد القانون الدولي. ويدعو كافة المنظمات الدولية إلى إدانة التقرير، وعدم التعاطي مع نتائجه المتعارضة مع قواعد القانون الدولي وحقوق الإنسان.
* يؤكد أن نتائج هذا التقرير سوف تتسبب في جلب المزيد من الألم والمعاناة لنحو 1.6 مليون فلسطيني يعيشون في قطاع غزة تحت حصار جائر، يشكل انتهاكاً لقواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
* يعيد تأكيد عدم مشروعية الحصار والإغلاق باعتباره مخالفاً لقواعد القانون الدولي، وهو ما تؤكده، وما تزال أجسام الأمم المتحدة المختلفة، بما فيها مجلس حقوق الإنسان، وتقارير مقرر الأمم المتحدة الخاص بالأرض الفلسطينية المحتلة، وتقارير اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات حقوق الإنسان الدولية كالفدرالية الدولية لحقوق الإنسان FIDH، منظمة العفو الدولية AMNESTY INTERNATIONAL ومنظمة مراقبة حقوق الإنسان الأمريكية HUMAN RIGHTS WATCH .
* يدعو المجتمع الدولي إلى تكثيف الجهود لوضع حد لسياسة العقاب الجماعي ضد سكان قطاع غزة، ورفع الحصار المفروض على القطاع منذ خمسة أعوام.
* يدعو إلى فتح تحقيق جنائي دولي في هذه الجريمة استناداً إلى الأدلة والوثائق القانونية المتوفرة، بما فيها الطب الشرعي المتوفرة للضحايا.
* يدعم توجه حكومة تركيا إلى محكمة العدل الدولية، بصفتها أعلى هيئة قضائية دولية للنظر في تلك الجريمة، ويذكر برأيها الاستشاري حول جدار الفصل في الضفة الغربية في يوليو من العام 2004، والذي اعتبر أن الحصار المفروض على الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها قطاع غزة، هو عقاب جماعي محظور بموجب القانون الدولي. ويدعو المركز كافة الدول والمنظمات الدولية إلى مساندة التوجه التركي نحو محكمة العدل الدولية للتقرير بشأن تلك الجريمة.
_________________________
[1] - انظر بيان المركز بتاريخ 31 مايو 2010.