نظم مركز الميزان لحقوق الإنسان، عند حوالي الساعة 9:00 صباح يوم الاثنين الموافق 28/12/2009، في قاعة فندق الكومودور في مدينة غزة، ورشة عمل متخصصة في القانون الدولي الإنساني. جاءت الورشة في الذكرى الأولى للعدوان الإسرائيلي، الذي أطلقت قوات الاحتلال عليه اسم "الرصاص المصبوب"، وجاءت الورشة تحت عنوان القانون الدولي الإنساني (العدالة والمحاسبة)، بحضور العشرات من المختصين والمهتمين والضحايا وممثلي المؤسسات الأهلية والحكومية، وذلك.
كما أن الورشة نشاط يختتم فعاليات مشروع: تعزيز القانون الدولي الإنساني، الذي نفذه مركز الميزان لحقوق الإنسان بالشراكة مع مؤسسة دايكونيا الدولية، وكنشاط طبيعي للمركز مع حلول الذكرى الأولى للعدوان الذي شنته قوات الاحتلال الإسرائيلي بتاريخ 27/12/2008 وتواصل حتى تاريخ 18/1/2009.
افتتح الأستاذ عصام يونس، مدير مركز الميزان لحقوق الإنسان أعمال الورشة مرحباً بالحضور الكريم، ثم طالبهم بالوقوف دقيقة صمت إجلالا واحتراماً لأرواح الشهداء- ضحايا عدوان رصاص مصبوب- ثم تابع افتتاحه قائلاً: أن العدوان كان قاسياً، وارتكبت قوات الاحتلال خلاله انتهاكات مثلت نموذجاً لانتهاك قواعد القانون الدولي الإنساني، وارتقت إلى مستوى جرائم الحرب، مؤكداً على أن الأراضي الفلسطينية هي أرضي محتلة تنطبق عليها قواعد اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين وقت الحرب, وأشار يونس إلى أن تطبيق مبادئ المسائلة والمحاسبة بحق المنتهكين، أمر يستلزم القيام بانتفاضة قانونية لملاحقة المجرمين الإسرائيليين. وأكد أن إحساس دولة الاحتلال بأنها فوق القانون شجعها على القيام بهذه الجرائم. وأكد يونس في سياق حديثه على أن المركز ومؤسسات حقوقية أخرى سوف يواصلون طريقهم من أجل تقديم مجرمي الحرب إلى العدالة، وقد بدأ المشوار ولن يفلت المجرم من العدالة. منوهاً على مسئولية المركز عن محاولات اعتقال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق: ايهودا باراك، ولكنه لم ينفي أو يؤكد علاقة الميزان بقضية اعتقال وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة: تسيفي ليفني، إلا أنه أكَّد على أن مذكرة اعتقال ليفني هي خطوة إيجابية على طريق المحاسبة، تنسجم مع ما جاء في تقرير القاضي جولدستون بضرورة السير قدماً في محاكمة المجرمين.
ثم افتتح الأستاذ: محمود أبو رحمة، منسق العلاقات الدولية في مركز، الجلسة الأولى في الورشة والتي تحمل عنوان: "انتهاكات القانون الدولي الإنساني في قطاع غزة... القانون الدولي الإنساني وآليات الإنفاذ". مرحباً بضيفيه المتحدثين الأستاذ: سمير زقوت، و الأستاذة: فاطمة الشريف، وبالمشاركين الأفاضل. معطياً الفرصة للأستاذ: سمير زقوت، منسق وحدة البحث الميداني في مركز الميزان، وأشار زقوت في مداخلته إلى أن عمليات توثيق الانتهاكات الإسرائيلية تهدف إلى إثبات وقوع انتهاكات لمعايير حقوق الإنسان وقواعد القانون الدولي الإنساني، وهو نشاط يؤسس لجملة من النشاطات ربما يأتي في مقدمها التقاضي وملاحقة مجرمي الحرب. وأرجع الأستاذ سمير زقوت الفرق في الأرقام ما بين توثيق منظمات حقوق الإنسان والجهات الحكومية دائما يعود إلى المبدأ، حيث يعتمد توثيق منظمات حقوق الإنسان على الدقة ولا يراعي الحالة الاجتماعية للضحايا عكس الجهات الحكومية التي تضطر أحياناً لاحتساب المسكن اثنين لأنه يضم عائلتين أو أكبر وهي جهات ملزمة بمساعدة الضحايا مادياً وتأمين مساكن بديلة لذا تكون أرقام الجهات الحكومية عادة أكبر. ولفت إلى أن جمع المعلومات الدقيق والمفصل يفيد أحياناً في فهم دوافع العدوان الخفية وليس فقط ارتكاب الجرائم والانتهاكات. وذكر زقوت أن العدوان بدأ بحملة جوية مكثفة عند حوالي الساعة 11:30 من صباح يوم السبت 27 كانون الأول (ديسمبر) 2008، شاركت فيها (80) طائرة حربية استهدفت غالبية مراكز الشرطة والأجهزة الأمنية وأهداف أخرى في أنحاء قطاع غزة كافة. وسقط في اليوم الأول للعدوان (322) قتيلاً، من بينهم (129) من أفراد الشرطة والأمن، قتلوا داخل مقراتهم . وعرض حصيلة توثيق مركز الميزان لأعداد الضحايا والخسائر، التي لحقت بالسكان وممتلكاتهم حيث أشار إلى أن قوات الاحتلال قتلت (1411) شخصاً، من بينهم (355) ممن هم دون الثامنة عشر من العمر، و(110) سيدات، و(234) من أفراد المقاومة. كما بلغ عدد المنازل السكنية المدمرة (11135). وعدد المنشآت العامة التي طالها التدمير (581) منشأة، أما عدد المنشآت الصناعية المتضررة فهو (209) منشأة، والمنشآت التجارية كانت (724) منشأة، أما المركبات المدمرة جراء العدوان فبلغ عددها (650) مركبة، فيما بلغت مساحة الأراضي الزراعية المتضررة (6271.746) متر مربع.
وحول مبادئ القانون الدولي الإنساني واتفاقيات جنيف الأربعة، خاصة الرابعة منها، بدأت المحامية: فاطمة الشريف (مشروع تعزيز القانون الدولي الإنساني)، حديثها: مشيرة إلى القواعد الأساسية التي تحكم النزاعات المسلحة، مؤكدة على أن اتفاقية جنيف الرابعة هي الاتفاقية التي تنطبق على حالة الأراضي الفلسطينية المحتلة، كما استعرضت الفئات التي المحمية بموجب القانون الدولي الإنساني ومن الذي ينطبق عليهم وصف المدنيين. كما عرضت المبادئ الأساسية للقانون الدولي الإنساني، التمييز والتناسب، والضرورة العسكرية، وتناولت الآليات التي يوفرها القانون الدولي الإنساني، لإنصاف الضحايا كما تناولت واجبات الأطراف المتعاقدة تجاه انتهاكات بنود اتفاقية جنيف الرابعة.
وتناولت دور لجان تقصي الحقائق، وتوصيفاتها، والمحاكم الدولية. كما وفندت الشريف معايير التحقيق الدولي، وطرق جمع الحقائق وتحريز الأدلة. واختتمت المحامية في مشروع القانون الدولي الإنساني مداخلتها بالإشارة إلى أن قوات الاحتلال رفضت التحقيق مع القادة العسكريين لقواتها، وامتنعت عن التحقيق أيضاً مع الجنود، إلا في حالات محدودة جداً وهي في كل الحالات التي فتحت فيها تحقيقاً تحت ضغط مؤسسات حقوق الإنسان المحلية والدولية كالتحقيق في استخدام الفلسطينيين كدروع بشرية لم تغلق أي ملف حتى تاريخه.
وفتح مدير الجلسة الأستاذ محمود أبو رحمة الباب لأسئلة واستفسارات المشاركين، التي تناولت أهمية الموضوع وأهمية رفع وعي المجتمع الفلسطيني بقواعد القانون الدولي الإنساني، والمحاولات الدولية الحثيثة لتغيير القوانين ومدى فرص نجاحها ورد الضيوف على تلك الاستفسارات قبل أن يختتم محمود أبو رحمة الجلسة الأولى.
وافتتحت الأستاذة المحامية: صبحية جمعة (منسق وحدة تقصي الحقائق وإدارة الشكاوى في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان- بغزة)، الجلسة الثانية من الورشة التي تحمل عنوان: "معايير التحقيق المحلية والدولية لانتهاكات القانون الدولي الإنساني... والطريق نحو تحقيق العدالة". مجددة الترحيب بالمشاركين، ثم قدمت ضيفيها المتحدثين: د. عبد القادر جرادة (أستاذ القانون الجنائي في الجامعات الفلسطينية)، والأستاذة: فاطمة العجو (المحامية في مؤسسة عدالة- المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل)، عبر الهاتف.
وافتتحت أعمال الجلسة الثانية بعرض فيلم تصويري قصير، للصحفي: محمد البابا (وكالة الأنباء الفرنسية)، روى الأحداث المأساوية التي عاشها سكان القطاع خلال فترة العدوان بالصور.
بدأ الدكتور عبد القادر جرادة حديثه عن المحكمة الجنائية الدولية- ومقرها لاهاي- والمعوقات التي تواجه وصول الشعب الفلسطيني إلى هذه المحكمة، على ضوء العدوان الذي شنته قوات الاحتلال على قطاع غزة. وشرح هيئات ودوائر المحكمة، المكونة من ثلاث دوائر، والتي نظرت خمس قضايا دولية مهمة، منذ إنشائها في العام 1998، أربع ملفات منها تتعلق بالقارة الأفريقية، ولم تنته منها بعد. ثم سرد جرادة الخطوات طرق تقديم الشكوى للمحكمة، بقوله أن هناك ثلاث طرق، الأولى منها عن طريق الدول الأطراف- من بينه عدد من الدول العربية- وهي دول من حقها أن تتقدم بأي شكوى مباشرة للمحكمة. وثانيها عن طريق: مجلس الأمن- واستطرد جرادة إلى أنه بعد صدور قرار مجلس حقوق الإنسان بتبني توصيات لجنة غولدستون بدأت الاهتمام بتقرير اللجنة وتوصياتها يفتر تدريجياً وهو أمر علينا أن نتنبه له. وثالثها: المدعي العام، حيث أن من حقه أن يباشر من تلقاء نفسه في إجراءات التحقيق.
واختتم عبد القادر جرادة مداخلته بمجموعة من التوصيات هي:
1. متابعة الشكاوي المقدمة من منظمات حقوق الإنسان إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، التي تطالب بفتح تحقيق مباشر في عدوان غزة وفقا للصلاحيات المقررة له في نظام روما.
2. تقديم شكاوي إلى كافة الدول التي تعتمد مبدأ الاختصاص العالمي في ملاحقة الجرائم الدولية مثل بريطانيا واسبانيا.
3. تقديم شكاوي إلى القضاء الفلسطيني (المحكمة العليا بصفتها محكمة من لا محكمة له) دون النظر إلى اتفاقية أوسلو التي سقطت بفعل الإجراءات الإسرائيلية على الأرض ومرور أكثر من خمس سنوات (مدتها).
4. مطالبة جامعة الدول العربية بإنشاء محكمة عربية عليا خاصة لمحاكة الإسرائيليين، على أن تقوم المحكمة بإصدار مذكرات قبض بحق الإسرائيليين متى زار أي دول عربية خاصة وأن اتفاقية الرياض تجبر هذه المسألة.
5. مطالبة منظمة المؤتمر الإسلامي بإنشاء محكمة عربية عليا خاصة لمحاكة الإسرائيليين، على أن تقوم المحكمة بإصدار مذكرات قبض بحق الإسرائيليين متى زار أي دول عربية خاصة وأن اتفاقية الرياض تجبر هذه المسألة.
6. مطالبة الدول العربية الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية وهي: الأردن واليمن وجيبوتي وجز القمر بتقديم طلب للمدعي العام للتحقيق في الجرائم الإسرائيلية.
أما الأستاذة فاطمة العجو المحامية في مؤسسة عدالة- المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل، فقد تطرقت إلى مسألة التحقيقات التي تتبعها إسرائيل بشأن الادعاءات بارتكاب الجيش الإسرائيلي لانتهاكات للقانون الدولي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مشيرةً إلى أن إسرائيل تعتمد إجراء تحقيقات داخلية يقوم بها الجيش، ولا ترتقي للمعايير الدولية ذات العلاقة. كما أشارت إلى أن المحكمة الإسرائيلية العليا لم تتدخل في نهج التحقيقات، بما في ذلك على مستوى السياسة والحالات العينية، كما تظهره قرارات المحكمة السابقة عندما تقدمت منظمات حقوق الإنسان بطلبات لها لفتح تحقيقات في عمليات الجيش الإسرائيلي، وخاصةً خلال انتفاضة الأقصى، فقررت المحكمة السماح بمثل هذه التحقيقات في بعض الحالات ولم تتدخل المحكمة في قرارات النائب العام في أخرى. ومثالاً على ذلك أشارت المحامية العجو إلى الطلبات التي قدمت إلى المحكمة لاحقاً لاغتيال الشيخ صلاح شحادة، ومن ثم لاحقاً لأعمال تدمير الممتلكات المدنية وقتل المدنيين دون ضرورة عسكرية واضحة في مدينة رفح العام 2004، حيث استنكفت المحكمة عن التدخل والأمر بفتح تحقيقات جنائية تتناسب مع المعايير الدولية، وما زال الملف ينظر أمام المحكمة حتى اليوم.
وفتحت مدير الجلسة الأستاذة صبحية جمعة الباب لأسئلة واستفسارات المشاركين، وتميزت الجلسة بالمشاركات الفاعلة والأسئلة والاستفسارات وعقب التوضيحات التي قدمها القاضي جرادة اختتمت الأستاذة جمعة الجلسة الثانية وأعمال الورشة بكاملها وشكرت الجميع على الحضور والمشاركة الفاعلة.