المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان يسلط الضوء على أبرز القضايا المتعلقة بتقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق حول الصراع في غزة

في ضوء الجدل والإرباك الإعلاميين اللذين أثارهما المقال الذي كتبه القاضي ريتشارد غولدستون في صفحة الرأي بصحيفة واشنطن بوست بتاريخ 1 إبريل 2011، يود المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان أن يسلط الضوء على بعض أبرز القضايا المتعلقة بالوضع الراهن لتقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق، والمساعي الرامية إلى تحقيق المساءلة في أعقاب العدوان الذي شنته إسرائيل على قطاع غزة في الفترة من 27 ديسمبر 2008 حتى 18 يناير 2009.

يمثل المركز 1046 من ضحايا العدوان، وقد قدم 490 شكوى جنائية إلى السلطات الإسرائيلية نيابة عنهم.

وكما ذكر القاضي غولدستون، لم تكن بعثة تقصي الحقائق جسماً قضائياً، بل إنها كانت عبارة عن بعثة لتقصي الحقائق مكلفة بإجراء تحقيقات أولية على الأرض، وإعداد توصيات على أساسها. وقد حصلت البعثة على أدلة كافية لتشير إلى ارتكاب جرائم حرب على نطاق واسع، وربما جرائم ضد الإنسانية. وينسجم هذا الاستنتاج مع نتائج التحقيقات التي قامت بها منظمات أخرى، بما فيها المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، ومنظمة العفو الدولية، وهيومان رايتس واتش، ولجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة، وبعثة تقصي الحقائق التابعة لجامعة الدول العربية.

وبشكل ملائم، وبما ينسجم مع متطلبات القانون الدولي، أوصت بعثة تقصي الحقائق بالتحقيق في هذا الادعاءات. وذكرت البعثة بأنه إذا تقاعست السلطات المحلية عن إجراء تحقيقات فعالة، فإن المحكمة الجنائية الدولية تصبح هي المنبر الأنسب للتحقيق في هذه الاتهامات الخطيرة. وبالتالي تقع عاتق مجلس الأمن مسئولية تفعيل الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية، وفقاً للمادة 13(ب) من النظام الأساسي للمحكمة. ووفقاً للجدول الزمني الذي وضعته البعثة، كان من المفترض أن يتم هذا التحويل قبل عام. يشار إلى أن مجلس الأمن اتخذ هذا الإجراء مؤخراً فيما يتعلق بالوضع الراهن في ليبيا.

إن أخطر الادعاءات بشأن تسيير إسرائيل للعمليات العدائية خلال العدوان تتعلق بالاستهداف المباشر للمدنيين، والهجمات العشوائية، واختيار الأهداف، ووسائل القتال، والتدمير واسع النطاق للبنية التحتية العامة والخاصة، بما في ذلك تدمير 7872 وحدة سكنية مدنية بشكل كلي أو جزئي (بمعنى أنها لم تعد صالحة للسكن). وتشمل بعض هذه الحالات الهجوم على مقر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، والهجوم على مدرسة الفاخورة، والهجوم على عائلة عبد الدايم، والهجوم على عائلة الداية، والهجوم على مدينة عرفات للشرطة. ويمكن لسياسات من هذا القبيل، بما فيها تلك المتصلة بتسيير العمليات العدائية، واختيار الأهداف، واستخدام الفسفور الأبيض، والقصف المدفعي للمناطق المدنية، أن تؤدي إلى تحميل المسئولية الجنائية الفردية. ولم يتم تناول هذه القضايا بشكل فعال، ولم تتم "إعادة النظر" فيها من قبل القاضي غولدستون.

إن القانون الدولي يشير بوضوح إلى وجوب إجراء تحقيقات جدية في الادعاءات بشأن اقتراف جرائم دولية، كما ورد في تقرير بعثة تقصي الحقائق وتقارير أخرى، وإجراء محاكمات إن لزم الأمر.

وقد حدد الفقه القانوني الدولي أربعة أركان رئيسية لإجراء تحقق فعال.[1] يجب أن يكون التحقيق: فعالاً (يمكنه أن يؤدي إلى "تحديد هوية ومعاقبة المسئولين،"[2]"ويتم بطريقة جدية وليس مجرد أمر شكلي مؤداه أن يكون غير فعال،"[3] ومستقلاً (يستند، من بين أمور أخرى، إلى "وجود ضمانات في وجه الضغوطات الخارجية،"[4]على وجه التحديد "يجب أن يكون الأشخاص الذين يجرون التحقيقات مستقلين عن أي شخص متورط في الأحداث"[5])، وفورياً،[6]ويشمل عنصر التمحيص العام.[7] ومن اللافت أن العملية برمتها يجب أن يتم أيضاً تحليلها، وليس مجرد النظر إلى التفاصيل الفورية للحادثة، حيث يجب تحليل الخطة الكلية وتنفيذها.[8]

خلال ما يزيد عن عامين بعد العدوان، أخفقت كافة الأطراف في إجراء تحقيقات تلتزم بهذه المعايير، فمؤخراً، خلصت لجنة الخبراء المستقلين التابعة للأمم المتحدة المكلفة بمراقبة التحقيقات الداخلية التي تجريها إسرائيل والفلسطينيون إلى أنه "لا وجود لمؤشرات بأن إسرائيل قد فتحت تحقيقات مع أولئك الذين صمموا عملية الرصاص المصبوب، وخططوا لها، وأمروا بتنفيذها، وأشرفوا على تنفيذها." وأشارت اللجنة أيضاً إلى المشكلات الرئيسية المتعلقة بدور المحامي العام العسكري.

لقد أغلقت الغالبية العظمى من التحقيقات التي أجرتها إسرائيل بالتوصل إلى الاستنتاج الذي وضعه على ما يبدو الجيش الإسرائيلي بشكل مسبق، وهو أن: "جيش الدفاع الإسرائيلي عمل خلال جميع مراحل القتال في غزة وفقاً للقانون الدولي."

وخلال ما يزيد عن عامين منذ عملية الرصاص المصبوب، أمضى جندي إسرائيلي واحد سبعة أشهر ونصف في السجن بتهمة سرقة بطاقة ائتمان، وحكم على جنديين آخرين بالسجن مع وقف التنفيذ لمدة ثلاثة أشهر بسبب استخدام طفل كدرع بشري. كانت هذه الإدانات الثلاثة، إضافة إلى المحاكمة الجارية لجندي رابع، هي فقط النتائج القضائية الملموسة للتحقيقات الإسرائيلية. يشار إلى أن هذه التهم لا تعكس جسامة الجرائم التي ارتكبت، كما يظهر في الحكم المتساهل للغاية قي قضية الدرع البشري.

لقد خلص المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إلى أن نظام التحقيق الإسرائيلي ككل، حتى عندما يتعلق الأمر بوجود إشراف مدني، تشوبه العيوب، إما في القانون أو في الممارسة أو في كليهما معاً.

وفي ظل ثبوت عجز أو عدم استعداد الأنظمة المحلية لإجراء تحقيقات جدية، فإن من الواجب والملائم أن تقوم المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في هذه الادعاءات. بتاريخ 25 مارس 2011، قام مجلس حقوق الإنسان بوضع هذه التوصية بالتحديد، حيث دعا الجمعية العامة إلى رفع تقرير بعثة تقصي الحقائق إلى مجلس الأمن من أجل النظر في إحالة الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى المحكمة الجنائية الدولية.

يجب أن يركز الجدل الدائر حالياً على القضايا الرئيسية ذات الصلة الوثيقة، حيث هنالك أدلة كثيرة تشير إلى ارتكاب جرائم حرب على نطاق واسع خلال عملية الرصاص المصبوب، والتي لم تخضع لتمحيص قضائي حقيقي. يجب معالجة هذا الوضع بالإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية.

يجب تنحية الاعتبارات السياسية جانباً، والالتزام بسيادة القانون الدولي. وليس هنالك أساس للتراجع عن تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق حول الصراع في غزة أو إعادة النظر فيه . إن التطبيق المتكافئ للقانون هو أقل ما يستحقه الضحايا لدى كافة الأطراف. ونأمل بأن ينضم القاضي غولدستون إلى دعوة مجلس حقوق الإنسان، التي تساندها منظمات حقوق الإنسان على المستوى الدولي، إلى مطالبة مجلس الأمن بإحالة الوضع في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة إلى المحكمة الجنائية الدولية.

ويجب على كافة أطراف الأحداث في المنطقة أن تلتزم بالمعايير الدولية لكي يثبت القانون قدرته على حماية المدنيين من الأعمال الوحشية في المستقبل، ولكي يكون بإمكان ضحايا جرائم الماضي أن يحققوا المساءلة والعدالة.

Governorate

href="http://statcounter.com/" target="_blank"> class="statcounter"
src="//c.statcounter.com/7777687/0/e4135b25/1/" alt="web
analytics">