أكد مفتي جنين الشيخ محمد سعيد على أهمية تعزيز الحوار بين أبناء الشعب الفلسطيني بما يخدم تمتين النسيج الاجتماعي وبناء علاقات الثقة بين أفراده، مؤكدا وجود نماذج مضيئة رغم كثرة المشاكل الناجمة عن غياب الحوار.
وأضاف: إن غياب الحوار يساهم في غياب المعرفة الحقيقية لمسببات المشاكل، وأنه كعضو في لجان الإصلاح يلمس ذلك بشكل جلي، وقال: كنا حريصين في جرائم القتل على الجلوس مع الجناة في السجون ومحاورتهم من أجل الوقوف على مسببات القتل.
وأشار إلى وجود سبعين حالة قتل معلقة في محافظة جنين تحتاج إلى حوار جاد من قبل المسئولين والمواطنين ومنظمات المجتمع المدني من أجل تدارس أسبابها ومحاولة استخلاص العبر منها، مؤكدا أن معظمهما يعود إلى أسباب تافهة ناجمة عن ثقافة العنف وغياب الحوار بين المتخاصمين.
وطالب خلال لقاء عام في مدينة جنين نظمته الهيئة الإستشارية الفلسطينية لتطوير المؤسسات غير الحكومية ومؤسسة تعاون لحل الصراع بدعم من مركز أولف بالما الدولي السويدي بعقد لقاءات تسفر عن أوراق عمل يقدمها خبراء ومختصون من أجل تدعيم ثقافة الحوار بأسس علمية ومن خلال عملية تخطيط مدروسة.
وقال المحاضر في العلوم السياسية في الجامعة العربية الأمريكية د. أيمن يوسف إن إنجاح الحوار السياسي يتطلب إزالة كل العوامل المعيقة ومنها: اختيار المحاورين من الشخصيات التي تعد معتدلة وليس تلك التي توصف بالمتشددة.
وأضاف: داخل كل التنظيمات العلمانية والإسلامية يوجد متشددون ومعتدلون، وبالتالي فإن الدفع باتجاه أن يكون المتشددون هم المحاورون يعني بقصد أو بدون قصد إفشال الحوار.
وأشار إلى ضرورة أن يتم تحييد الإعلام في المراحل الحساسة من الحوار السياسي إذا ما أريد له النجاح، وهذا ينطبق على الحديث المتفائل الزائد عن الحد والذي قد يعقبه إحباط كبير بعد رفع سقف توقعات الجمهور، أو التشاؤم الذي يعزز التوتر.
وأكد على ضرورة وجود طرف ثالث قوي لإنجاح الحوار السياسي، وهذا الطرف قد يكون مجتمع مدني أو قطاع خاص أو تنظيم سياسي، وللأسف في الحالة الفلسطينية لا يوجد تنظيم قوي خارج إطار التنظيمين الكبيرين، كما أن صوت القطاع الخاص والمجتمع المدني ما زال خجولا ودون المستوى المطلوب.
واستعرض عضو الهيئة الاستشارية أحمد أبو الهيجاء محددات إنجاح الحوار المجتمعي من خلال إصلاح طريقة غرس القيم في المؤسسة التعليمية التي تحتاج إلى إدخال تعديلات في مناهج التربية الوطنية والتربية الإسلامية بما يسهم في تغيير السلوك وبناء منظومة قيم سليمة.
كما أكد بأن الدين الإسلامي لم يكن يوما من الأيام ضد الحوار وتحقيق العدالة في المجتمعات، ولكن المشكلة تكمن في المفاهيم الاجتماعية التي نعطيها نوعا من القداسة نتيجة الفهم الخاطئ للدين. فتحولت عادات إلى معتقدات وألبست تلك المعتقدات ثوب دينيا لا تأصيل شرعي له.
وقال: يجب السعي إلى غرس مفاهيم الإسلام الوسطي المعتدل والذي يقدم حلولا خلاقة لمشاكل الحوار المجتمعي وإصلاح المجتمعات بعيدا عن الغلو والتطرف، وهذا يتطلب ثورة اجتماعية مدروسة ودعم عمليات التجديد في الفقه الإسلامي والتي تخرجه من حالة الجمود والوقوف عند حقب تاريخية قديمة.
وطالب المشاركون بوضع خطة عمل تسير عليها مؤسسات المجتمع المدني بحيث تسهم بشكل فعال في تعميق الحوار المجتمعي وأكدوا على ضرورة تدخل أكبر من قبل الأكاديميين والخبراء في رسم السياسات المتعلقة بالحوار.